ماذا يحمل الرئيس كير في جُعبته هذه المرة ..؟!!
واجومانيوز
بقلم : شوكير ياد
واجوما نيوز
واحدة من الامور المعقدة التي تتجاوز قدرات الكتاب ، والمحللين السياسيين في جنوب السودان ، في كثير من الاحيان صعوبة التكهن أو التنبوء بما يمكن ان يحدث في أي شأن سياسي ، حتى ما اذا كانت هناك مؤشرات وقراءات تحليلية تصب في ذات الشأن المعني.
فكثير من التحليلات والقراءات السياسية تأتي مغايرة لما يحدث في الواقع رغم صحة تلك التحليلات وتطابقها بما هو موجود في الأدبيات السياسية بصفة عامة.
وتمثل حالة جنوب السودان ، الاستثناء الوحيد الذي يخالف كل التوقعات والثوابت المعروفة في الادبيات السياسية بصفة عامة.
لتقريب الصورة لذهن القارئ الكريم ، نذكر بعض الأحداث والوقائع السياسية التي شهدتها البلاد ، والتي تشرح وتوضح ما نود الحديث عنه في هذا السياق.
نستهل شرح فكرتنا ، بحالة السياسي ، مييك أيي، والذي كان يشغل منصب وزير مكتب شؤون الرئاسة انذاك ، حيث تمت إقالته في ملابسات تتعلق بشبهة الفساد حول إنشاء احدى الطرق الكبرى في البلاد.
فمن الطبيعي ان يتوقع الجميع خروجه من الباب الواسع عن حسابات الحزب الحاكم على أقل تقدير في المستقبل المنظور ، خاصة وان الواقعة كانت فاضحة ودامغة في ذات الوقت.
ولكن حدث ما لم يكن في حسابات أعتى محللي السياسة حينها . وهو عودته السريعة الى الواجهة السياسية من خلال تعيينه وزيرًا للخارجية.
وتدور عجلة السياسة مرة اخرى ، ويتفاجأ الشارع الجنوبي باقالة ذات الشخصية من حقيبة الخارجية ، ولكن في ظروف وملابسات غير واضحة المعالم هذه المرة، ولكن الأدهي من ذلك ، هو ترك المنصب شاغرًا الى لحظة كتابة هذه السطور، ولأسباب غير معروفة أيضا.
لا ندري لماذا تمت الإقالة ، ولا ندري أسباب الإبقاء على المنصب شاغرًا لهذه الفترة الطويلة. الامر الذي يجعل كل تحليلات الكتاب تذهب سُدى؛ ليس لشيء ولكن لعدم إتساقها مع الواقع السياسي المُعاش. فالكتاب يحللون من جهة وصانع القرار السياسي يفاجيء الجميع بشيء آخر غير متوقع.
وهناك واقعتان متشابهتان ، حدثتا في ظل الحكومية الانتقالية الحالية ، الا انهما جاءت في سياقات منفصلة عن مجريات الإتفاق المعاد تنشيطه، الامر خلف اثار ومدولات مختلفة فى مسار الاتفاقية الحالية.
الاولى، تتمثل في واقعة اقالة وزيرة الدفاع المفاجئة ، والتي اثارت جدلا واسعا في الاوساط السياسية وبين المعارضة والحكومة ؛ وذلك بسبب اختلاف الاراء والتحليلات حولها. والتي كانت لها ما بعدها من تداعيات سلبية على الحكومة الانتقالية ، وعلى علاقة شريكي الحكم .
هذه الخطوة لم تكن في الحسبان بحسب المعطيات وسير الاتفاقية ، ولكنها حدثت على أي حال ونعيش تجلياتها في الوقت الراهن.
الواقعة الثانية، تتمثل في الاتفاق المفاجئ الذي تم بين الحركة الشعبية الحزب الحاكم وقيادات تحالف المعارضة والمعروفة داخليا بـ(سوا).
بشكل او بآخر تم الاتفاق على تنازل تحالف المعارضة عن منصب الحاكم في ولاية جونقلي، مقابل ثلاث مناصب يتم منحها للتحالف هي( نائب حاكم جونقلي ، وزارة في الحكومة المركزية ، منصب مستشار او مبعوث خاص).
للتذكير فقط في هذا السياق ، كانت ولاية جونقلي في الاساس ضمن احدى المحصاصات التي وقعت للحركة الشعبية في المعارضة جناح مشار؛ وذلك بموجب اتفاق المنشط في ٢٠١٨ في ذلك الوقت، ولكن تم تحويلها بعد ذلك لصالح تحالف المعارضة المعروفة بـ(سوا)، رغم الجدل الذي اثير حول عملية التحويل.
ولكن تدور الاحداث وتمر الايام لتعود الولاية المعنية الى احضان الحزب الحاكم من خلال الاتفاق الذي تم بينها وتحالف (سوا).
بالعودة الى الواقعتين ، فان التشابه بينهما يكمن في ان الحزب الحاكم كان الطرف الرئيس في الواقعتين ، بالإضافة الى انه كان الطرف المبادر بفرض التبادل في الحالتين أيضا.
بيد ان الاختلاف الوحيد ، هو عدم وجود توافق في الحالة الاولى(واقعة تبادل وزارة الدفاع بالداخلية)، بينما تم التوافق في الحالة الثانية .
ففي الحالة الاولى فرض التبادل كأمر واقع من خلال الاجراءات التي تمت ، من اقالة الوزيرة ، ومن ثم تعيين وزير آخر ، اما في الثانية فتم التشاور ثم التوافق ، ليأتي التنفيذ في وقت لاحق.
وهنا نشير الى ان الواقعة الاولى لم تكن متوقعة لانها لم تتبع نفس المنهجية والقنوات والاجراءات التي اتبعت في الواقعة الثانية رغم تشابه الحالتين، وهذا ما نقصده حول عدم توقع ما قد يحدث في أي شأن سياسي في جنوب السودان ، لانه في كثير من الاحيان لا تخضع لاي معايير محددة ، بل هي وليدة الموقف واللحظة .
وحتى مسألة ترك وزارة الداخلية شاغرة لهذه الفترة الطويلة، دون من يشغلها لهو من الامور اللافتة في ظل السيولة الامنية الواضحة على طول البلاد.
وأخيرا وليس اخرا ، فوجىء الشارع السياسي بقرار إقالة المدير التنفيذي لمكتب الرئاسة والذي تم ترقيته وترفيع رتبته العسكرية مؤخرا، حيث خالفت واقعة إقالته كل التوقعات ، ولكن ليس هذا فحسب ، فقد فقد حل مكانه شخصية لم تكن متوقعة، وهو الوافد الجديد القادم من الولايات ،الامر الذي أربك كل الحسابات ، فيما يتعلق بالخطوة القادمة.
لا ندري ايضا طبيعة هذه الخطوة ، ولكن فمن المهم ان تثير خطوة اقالة المدير التنفيذي ، بعض التكهنات ، فيما يتعلق بحقيبة وزارة الخارجية الحائرة بين صراعات تيارات الداخل..! فهل ستكون الوجهة الجديدة للمدير التنفيذي المقال، ام سينتقل إلى موقع آخر لا يقل أهمية في قادم الايام…؟!
وهل سيتم اقالة احد نواب الرئيس ؛ لصالح محاصصات سياسية جديدة قد تفرض نفسها في قادم الايام ..؟؟!
كلها هذه تساؤلات حائرة تحتاج الى إجابات شافية في ظل عجز الادبيات السياسية عن فك طلاسم السياسة في جنوب السودان.
اذن فلنضع التحليلات السياسية جانبًا ، لنطرح هذا التساؤل الحائر…
ماذا يحمل الرئيس كير في جعبته هذه المرة…؟!!!