منظمة الدعوة الإسلامية بين أخطاء السودان وتسامح جنوب السودان
واجوما نيوز
بقلم د.جيمس أوكوك
ترجمه: يدجوك اقويت
١ . مقدمة
في الفترة ما بين نوفمبر ٢٠٢٢ حتى يناير ٢٠٢٣، ساد فرح في جمهورية جنوب السودان عند سماع نبأ تعيين فضيلة الشيخ الموقر موسى المك كور فافيتي امينا عاما مكلفا لمنظمة الدعوة الاسلامية. لذلك أقيمت احتفالات كبيرة في جوبا لهذا الحدث الفريد، تخللها فيض رسائل تهانئ بين مريديه.
لقد فرح ألسودانيون الجنوبيون، لان هذا التعين كان الاول من نوعه منذ استقلال البلاد، إذ تبوأ ابن الجنوب المسلم العالم المثقف مرتبة عالمية. إنه بحق تقدير واعتراف عالمي بمقدرات فضيلة الشيخ الموقر موسى. ان هذا التكليف جاء نتيجة الثقة الكبيرة التي منحها المحسنون ومحبو الخير من دول الخليج (قطر، الإمارات العربية المتحدة، مملكة العربية السعودية، الكويت، إلخ) لفضيلة الشيخ موسى.
والجدير بالذكر ان من بين مؤيديه المتحمسين رئيس مجلس أمناء هذه المنظمة الإسلامية الإنسانية الفريدة من نوعها، وهو الزعيم الروحي ورجل ألاعمال المعروف، عبدالرحمن ال المحمود بالدوحة، دولة قطر .
إن النضج الفكري و سيادة روح الخدمة الإنسانية وسط مسلمي جنوب السودان اعطاهم الافضلية على رصفائهم السودانيين الشماليين ( الجلابة). فهؤلاء قد دمروا الامانة العامة لهذه المنظمة لعقود من الزمان واستشرى فيها الفساد والانانية والتفرقة و تهميش الآخرين.
لقد جاء الوقت للتغيير في القيادة و النأي عن السلوك السيئة السابقة في هذه المنظمة.
٢- *نبذة عن منظمة الدعوة الإسلامية.
منظمة الدعوة الإسلامية هي منظمة دينية دولية غير حكومية تأسست في مايو 1980 ومقرها الخرطوم، عاصمة جمهورية السودان. لقد تمكنت هذه المنظمة على جذب اموال طائلة من دول الخليج و الخيريين المسلمين من جميع أنحاء العالم نسبة للثقة التي تتمتع بها هذه المنظمة وسط مواطني جنوب السودان وشرق إفريقيا.
هدف المنظمة الأساسي هو نشر رسالة الأسلام باسلوب مهذب ولطيف؛ وبالاخص في افريقيا.
من ضمن هذه الاساليب تقديم الخدمات الإنسانية غير المشروطة للمحروميين والمحتاجين، وذلك بإعلاء فضائل وقيم الحرية والعدالة والمساواة والتسامح والسلام.
إن منظمة الدعوة الإسلامية تستمد إلهامها من أركان الإسلام الخمسة وهى :
١- الشهادتان : شهادة ان لا اله الا الله وشهادة ان محمدا رسول الله;
٢- إقامة الصلاة وهى خمسة في اليوم ؛
٣- ايتاء الذكاة ؛
٤- الصوم ؛
٥- حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
هذا كما ورد في القرآن الكريم وتعاليم النبي محمد والشريعة. و معلوم ان علماء وفقهاء الاسلام عملوا على حصر و إيجاز تعاليم النبي محمد في عبارات تمس جميع نواحي حياة البشر. فالعلماء يؤمنون ان الاعمال يجب أن تقاس بالنيات والمقاصد من وراء تقديمها، وان الله يريد ما هو طاهر للبشرية لكي تزدهر في الكرامة. فالعلماء يعتبرون الأنبياء الحقيقيين وحراسة الملائكة بركات للناس، ويوجهونهم إلى طريق الخلاص الإلهي الصحيح. كما ينصحون المسلمين بترك ما لا يعنيهم جانبا. وبدلا من ذلك، يحثهم على حب الآخر على قدم المساواة بنفس الطريقة التي يفعلون بها لأنفسهم بروح الأخوة وحسن الجوار. على المسلمين الالتزام بمبدأ عدم إيذاء الغير، وتجنب التقديس الدنيوي في كل وقت. فالأغنياء منهم يجب أن يساعدوا الفقراء والمحتاجين دون تمييز على أي أساس لان المرتكز الاساسي لكل مؤمن بالله في الحياة على الارض هو ضمان دخول الجنة في عالم الابدية نتيجة للولاء و الطاعة لله مقرونة بالخدمة الإنسانية المنقطعة النظير.
إن منظمة الدعوة الإسلامية كمنظمة غير ربحية، تسعى لتشجيع قيم وتعاليم الاسلام عن الدين والحياة والأسرة والتعليم والثروة والعدالة والاحترام و حسن الخاتمة. علاوة عن هذه كلها تاتي عبادة الله الواحد يومياً متصدرة امورا شتى كاحترام الكتب المقدسة، و مخافة يوم الدينونة و رضى عن المصير الاخير الذي يحتمه القرار الالهي.
تضم منظمة الدعوة الإسلامية سبعين (70) عضواً في مجلس الأمناء يمثلون المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت واليمن والسودان ومصر وليبيا وغيرها من دول غرب وشرق إفريقيا بالإضافة إلى العديد من المنتسبين والمنظمات الإسلامية التابعة لها حول العالم.ينتخب مجلس الأمناء الأمين العام ونائبه، والذي بدوره يعين مجلس الإدارة المكون من عشرة (10) أعضاء للإشراف على تنفيذ مهام الأمانة العامة.
للمنظمة مكاتب خارجية وبعثات إقليمية في أجزاء مختلفة من إفريقيا وآسيا – السودان أوغندا والصومال وتنزانيا وزنجبار ومالي والامارات العربية المتحدة واليمن والمملكة العربية السعودية وغيرها. كذلك تتعاون المنظمة مع الوكالات والمؤسسات الإنسانية المتخصصة والفرعية في جميع أنحاء العالم [مثل المجلس الأفريقي للتعليم الخاص ، والجمعية الخيرية الأفريقية لرعاية الأم والطفل ، وشركة دانفوديو القابضة ، وما إلى ذلك].
يأتي تمويل هذه المنظمة من التبرعات التي يقدمها المحسنون، وخاصة من الدول الإسلامية الغنية.
٣- *دور مسلمي جنوب السودان في تاسيس وتطوير مُنظَّمة الدعوة الإسلامية*
من مثقفي جنوب السودان المسلمين المعروفين الذين برزوا في تأسيس وتعزيز أهداف منظمة الدعوة الإسلامية في العقود ما بين الثمانينيات و التسعينيات من القرن الماضي نذكر الشيخ مبارك قسم الله من ملكال، وعبدالله حمدان دينق من أويل، وأحمد آلرضي جابر من ملوط وغيرهم.
شغل الشيخ مبارك منصب الأمين العام في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وازدهرت المنظمة بشكل كبير واتسعت شعبيتها خلال فترة ولايته، خاصة في أوغندا وجنوب السودان.
تم تسجيل الكثير من الإنجازات، ونتيجة لذلك، بنى المانحون ثقة كبيرة في عمل هذه المنظمة.
فقد تم بناء ثلاثين (30) مدرسة نابضة بالحياة والعديد من المراكز الصحية والمساجد في جميع أنحاء جنوب السودان (في مناطق أعالي النيل وبحر الغزال والاستوائية) حتى خلال الأوقات الصعبة لحرب التحرير (الحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان) ضد التهميش في السودان.
تم شراء أكثر من خمسة وثلاثين (35) قطعة أرض مع سندات ملكية في مواقع رئيسية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك مدرسة فاطمة فخرو الثانوية للبنات في جوبا، ومدرسة المختار في واو، ومدرسة خالد بن الوليد في راجا.
في عام ٢٠٢٠ عندما قررت حكومة السودان إغلاق مقر منظمة الدعوة الإسلامية بالخرطوم ومصادرة ممتلكاتها وأموالها، تحرك مسلمو جنوب السودان وشرق إفريقيا بسرعة كبيرة لإتاحة فرصة استضافة المقر الرئيسي في جوبا أو كمبالا لإنقاذ الدور الانساني الكبير الذي كان تؤديه المنظمة بعيدا عن الصراعات الجهوية والسياسية في السودان. فشل هذا السعى لان المسلمين العرب من السودان عملوا جاهدين على تقويص هذه النية لكي لا تصبح اي من جوبا او كمبالا مركزا لجذب المستثمرين والخيريين والمحسنين المسلمين من الامارات العربيه المتحده، قطر المملكة العربية السعودية، الكويت الخ.
كان بالإمكان أن تستمر عملية تقديم الخدمات وبناء القدرات التي كانت تقوم بها المنظمة دون أن تتأثر بسياسات الثورية الإقليمية في السودان. إلا أن هذا اللوبي لم يثمر بسبب مؤامرة العرب السودانيين المسلمين (الجلابة) ضد المسلمين السود في جنوب السودان وشرق إفريقيا.
تم نقل المقر الرئيسي إلى نيامي، النيجر لحرمان جوبا أو كمبالا من أن تصبح اي متهما نقطة جذب مهمة للمستثمرين والمحسنين الإسلاميين من الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية والكويت، إلخ.
٤- *الجلابة وميول تهميش الآخرين.
إن رئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية، فضيلة الشيخ عبد الرحمن آل المحمود من قطر، قد بنى ثقة قوية في صدق ومعرفة مسلمي جنوب السودان. لذلك أوصى بشرف تعيين الشيخ موسى أميناً عاماً مكلفا في نوفمبر ٢٠٢٢ إلى حين إجراء انتخاب من سيشغلون المناصب الجديدة في يناير ٢٠٢٣.
وبالفعل تم تفويض قيادة أمانة المنظمة إلى مسلم مشهور من جنوب السودان، الا وهو فضيلة الشيخ موسى المك كور.
فقد سافر من جوبا إلى الخرطوم ليخدم في ذلك المنصب بتفان وحماس و شرف بمشاركة مثمرة خلال فترة ولايته. ففي خلال فترة وجيزة استردت المنظمة أصولها المفقودة ومكاسب أخرى في السودان باستثناء الأموال المجمدة بأمر من المحكمة.
جمع فضيلة الشيخ موسى امولا و تمكنت المنظمة من إرسال مواد إغاثة ضخمة عبر السودان إلى الأطفال والنساء النازحين في مملكة الشلك الذين استهدفهم الجيش الأبيض من ولاية جونقلي.
تم شحن هذه المواد عبر السودان و تم توزيعها على النازحين المستضعفين في ملوط وكدوك والقرى المجاورة.
لفت هذا العمل الجليل نظر أصحاب القلوب الرحيمة وعبروا عن سعادتهم بهذا التدخل السريع. فإن مشاركة فضيلة الشيخ موسى الصارمة ونهجه الدبلوماسي في معالجة القضايا حصل على دعم غير مسبوق من حكومة جمهورية جنوب السودان، مما ساهم في وقوف الحكومة إلى جانب المنظمة وضمان إعادة كل ألاصول و الممتلكات إلى الأمانة العامة، بما في ذلك قطع الأراضي التي ربما يكون قد اختلسها بعض الأفراد المشاغبين المحتلين.
كل هذه الإنجازات أصبحت تجديدًا واعدًا له.
ومما يؤسف له هو ان من العادة ان يكون للنجاح اعداء. فقد حسده اخوانه المسلمون الشماليون في مجلس الامناء.
اتحدوا وتكالبوا وتعاضدوا وتساندوا بضراوة ضد فضيلة الشيخ موسى وضغطوا على الاعضاء الاخرين لعدم تأكيد بقاء الشيخ موسى في هذا المنصب، لأن هذا سيكون إذلالًا للجلابة السودانيين الذين ظلوا يعاملون السودانيين الجنوبيين كعبيد لهم منذ عهد معاهدة البقت في القرن السابع.
جاء هذا التصرف بمثابة صدمة لكثيرين من جنوب السودان، مسلمين و مسيحيين و غيرهم على السواء. هذا بالإضافة إلى أصدقائهم المسلمين في الشرق الأوسط وأفريقيا.
لقد بعثت هذه المؤامرة بإشارة سالبة مفادها أن المسلمين السودانيين لم يتعلموا ولم يتعظوا من الاسباب التي ادت الى انفصال جنوب السودان. فميول الخرطوم لتهميش السود في جنوب السودان في أي منصب قيادي استراتيجي رئيسي بات امرا واقعا و حتى لو كانوا مسلمون بارزون .
يذكر أن الوالي الأموي لمصر عبد الله بن سعيد بن أبي سرحند فرض معاهدة البقت على ملوك كوش النوبيين عام 652 م لتنفيذ مايلي:
1) على النوبيين وقف الغارات والحروب ضد العرب والمسلمين في مصر.
2) على النوبيين السماح بحرية التنقل الآمن للعرب والمسلمين في أراضيهم.
3)على النوبيين القيام ببناء مسجد في دنقلا و الحفاظ على صيانته سنويًا.
4) على النوبيين دفع جزية قدرها 300 عبد أسود سنويًا للعرب المسلمين في مصر.
5)على النوبيين إعادة النوبيين العبيد الهاربين والعرب غير المصرح لهم إلى مصر.
” أيَّتُهَا الأرْضُ المَلِيئَةُ بِأزِيزِ الحَشَرَاتِ، وَرَاءَ أنهَارِ كُوشٍ، المُرسِلَةُ رُسُلًا عَبْرَ البَحْرِ، فِي قَوَارِبَ مِنْ نَبَاتِ البَرْدِي تَجُوبُ المِيَاهَ.
اذْهَبُوا أيُّهَا الرُّسُلُ السَّرِيعُونَ،
إلَى شَعْبٍ طَوِيلِ القَامَةِ، نَاعِمِ البَشَرَةِ.اذْهَبُوا إلَى الشَّعْبِ الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ الجَمِيعُ،الأُمَّةِ القَوِيَّةِ المُنتَصِرَةِ،الَّتِي تُقَسِّمُ الأنهَارُ أرْضَهَا” اش ١٨ : ١-٢
إذا نظرت لشكل و مظهر فضيلة الشيخ موسى، فلن يكون هنالك شك واحد في ان وصف النبي اشعياء منطبق عليه. انه يشبه تماما أحد الاشخاص الاقوياء في كوش خاصة في الشكل والمظهر.إنه اسود، اخبر، ناعم، واثق من نفسه، شجاع، واسع المعرفة، حكيم ومخوف.
وفقًا للسجلات التاريخية القديمة للفاتيكان، تم إحضار المسيحية لأول مرة إلى أرض كوش من قبل كنيسة بيزنطة في القرن السادس. نقلت الكنيسة المحلية هذا لاحقًا إلى بطريركية الإسكندرية القبطية. ومع ذلك، أدت نهاية الممالك المسيحية في النوباتية والمقرية والوديا في القرن الرابع عشر إلى اختفاء شبه كامل للمسيحية مع بقاء عدد قليل فقط من الجماعات الفرنسيسكانية في المنطقة المضطربة التي أفسدتها معاملة البقت الظالمة وتجارة الرقيق غير الإنسانية في أواخر القرن التاسع عشر أثناء الحكم التركي المصري.
قام القديس دانيال كمبوني (1831-1881),المبشر الإيطالي ومؤسس المرسلين لقلب يسوع ومجتمع أمهات نيجريزيا المتدينات المعروفات أيضًا باسم المرسلات الكمبونيات. لقد تمكن القديس كمبوني من إعادة تأسيس الكنيسة في السودان بقناعة “خلص افريقيا بواسطة الأفارقة”.
سمح نشاطهم التبشيري المكثف للمسيحية بالتوسع بمعدل متزايد بين عامي 1901 و 1964، مما عزز الهوية الوطنية لشعب جنوب السودان المتميز عن سكان الجلابة المسلمين في شمال السودان.
إن المعارضة الشرسة لسياسات الأسلمة والتعريب بعد استقلال السودان عن الحكم الأنجلو-مصري في القرن العشرين، غذت الحركة الانفصالية التي أدت إلى الحربين الأهليتين بين 1955-1972 و 1983-2005، وأخيراً إلى استقلال جنوب السودان في 2011.
التاريخ مثير جدا للاهتمام. فإن نفس العرب الذين غزوا أرض كوش في القرن السابع بعد الميلاد وأثاروا حروب التحرير، لم يترددوا في الاتحاد ضد فضيلة الشيخ موسى المك في الخرطوم في أوائل يناير 2023 من القرن الحادي والعشرين لإبعاده من قمة رئاسة أمانة منظمة الدعوة الإسلامية. لقد ضغطوا جميعًا وصوتوا بالإجماع ككتلة سودانية داخل مجلس الأمناء لضمان عدم بقاء الأمير المحبوب ابن الشلك من جنوب السودان في ذلك المكتب الرئيسي.
ولكن ثقته، ومعرفته بالإسلام والشريعة، ومهنيته، وإحساسه بخدمة الشعب دون تهميش، أخافت المسلمين السودانيين الفاسدين بالخرطوم لتوليه منصب رئيسهم في الأمانة العامة، التي هي دينامو التنظيم.
بدلا من تأكيد فضيلة الشيخ موسى أمينًا عامًا لمنظَّمة الدعوة الإسلامية من 2023 إلى 2027، تآمر عليه المسلمون السودانيون الظالمون وصوتوا لمسلم عربي سوداني فاسد معروفً يدعى الشيخ أحمد محمد آدم.
هذا التصرف العجيب ترك رئيس مجلس الأمناء، الشيخ عبدالرحمن ال المحمود من قطر، صامتًا ومصدومًا من ممارسة التهميش الذي عفا عنه الزمن؛ وكأن المسلمين السودانيين العرب لم يتعلموا من عواقب قمع السود في جنوب السودان رغم موقعهم الاستراتيجي المركزي في إفريقيا.
لقد شعر الشيخ الجليل عبدالرحمن ال المحمود بالإهانة بسبب سخافة السودانيين في مجلس الإدارة الذين لم يشعروا بالخجل من عض اليد اليمنى التي كانت تغذي هذه المنظمة منذ عقود.
الجلابة الأنانيون شعروا بالنتيجة المرتقبة لتصويتهم على التهميش بعد فوات الأوان. لإلغاء الضرر، كان عليهم التحرك بسرعة لتصحيح الخطأ الفادح بترشيح الشيخ موسى المك رئيساً لمجلس الإدارة، وهو مجرد منصب رقابي لا يؤثر على المنظمة، مقارنة بمنصب نائب رئيس مجلس الأمناء السابق. الذي كان يشغله إلى جانب الشيخ عبدالرحمن أل المحمود.
انزعج مسلمو جنوب السودان وأخبروا اخاهم المسلم القوي برفض العرض والعودة إلى جوبا حيث يحظى بالاحترام والتكريم من قبل القيادة العليا في البلاد التي تحترم الإسلام.
ما فعله السودانيون بجنوب السودان أصبح الآن دليلًا قويًا على ان المسمار الأخير في نعش التعاون مستقبلا في أعمال منظمة الدعوة الإسلامية قد تم تثبيتها.
كل جنوب سوداني يعرف الآن أنه مهما كان الوضع، فإن الجلابة سيبقون جلابة دائمًا حتى عندما يخدمهم أفريقي أسود بجد و روح الأخوة المسلمة الراسخة والرعاية الشاملة. لذلك، فقد حان الوقت للمسلمين السود في جنوب السودان وأفريقيا عمومًا لتشكيل تضامنهم الخاص.
يجب التراجع عن جميع الأعمال الجيدة التي قام بها الشيخ موسى المك في جنوب السودان باسم الأمانة العامة لهذه المنظمة، ويجب ألا يكون للأمين العام الجديد موضع ترحيب في جوبا.
على قادة مسلمي جنوب السودان نسيان صلاتهم بمسلمي الجلابة في السودان و عليهم ان يقيموا اتصالات مباشرة مع كبار المشايخ والشخصيات في دول الخليج الراغبين في دعم الخدمات الإنسانية والتنموية في جنوب السودان بطريقة لطيفة. وبدون ميول تهميش. لا ينبغي السماح للمسلمين السودانيين الفاسدين أن يكونوا وسطاء بين جوبا وأبو ظبي ودبي وقطر والرياض وجدة والكويت وعمان وغيرها.
يجب أن تتحقق العدالة هذه المرة. لقد طفح الكيل!
٥- من هو الشيخ موسى موسى المك كور ؟
للحصول على معلومات مستنيرة عمن نتحدث، يجدر بنا أن نلقي نظرة على السيرة الذاتية لهذا الرجل الأسود المسلم الجنوب سوداني المهاب لدي الجلابة السودانيين.
موسى كور فافيتي من اسرة المك كور فافيتي يور. ولد في منطقة كدوك بأعالي النيل في جنوب السودان في زمن الحكم العسكري للواء إبراهيم عبود في الخرطوم.
نشأ بين قومه في فشودة وكدوك وملكال و الجبلين في منطقة النيل الأبيض بالسودان، ثم بين البدو الجلابة الذين كانوا ودودين لمملكة الشلك.
لقد عُرف بأنه أمير متسامح، مدرك لقيمة الارتباط المسكوني. برغم ان معظم إخونه مسيحيون أو مؤمنون بالروحانية الأفريقية، يمكن رؤية مثال ملموس في قربه لاخيه الأمير الاصغر، وهو قس مشيخي متعصب ذو التصميم الراسخ على نشر المسيحية حتى في
في الوقت الذي كانت فيه الأجندة الإسلامية على رأس أولويات الحكومة في الخرطوم في التسعينيات الى حين تم توقيع بروتوكول مشاكوس في كينيا بين الحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان وحكومة السودان في عام 2002. يعد هذا تسامح ديني فريد!
إن مثل هذا التعايش السلمي والمسكوني لا يمكن العثور عليه إلا في عائلات جنوب السودان.
موسى متزوج ولديه بنات وأبناء أذكياء. بعضهم تلقوا تعليمهم في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الامريكية. إنه والد شغوف وجميل؛ ليس فقط لأفراد أسرته المباشرين، ولكن أيضًا للعائلة الممتدة والأقارب والأصهار والأصدقاء والزملاء في أماكن العمل. كان منزله مسكنًا لأشخاص من أصول مختلفة، وكان دائمًا لطيفًا ومضيافًا للناس بغض النظر عن انتماءاتهم إلى أي عقيدة أو لون بشرتهم.
إن فضيلة الشيخ موسى يجيد اللغتين العربية والإنجليزية قراءة و كتابة بطلاقة، كما يتحدث بلغتي الدينكا والنوير بالإضافة إلى لغته الأم، لغة الشلك.
إنه اجتماعي وديني للغاية في أسلوب حياته ويمكنه حتى الذهاب إلى أي مكان لإظهار التضامن مع الآخرين.
أكمل موسى المك دراساته العليا؛ وينتظر الحصول على درجة الماجستير في الآداب في دراسات السلام والتنمية من جامعة جوبا في جنوب السودان. فهو حاصل على دبلوما عال في العلوم السياسية من جامعة النيلين في السودان، وشهادة متقدمة في عملية صنع القرار من أكاديمية السودان للعلوم الإدارية في السودان، ودرجة البكالوريوس في الآداب والتربية من جامعة طنطا في مصر.
يتمتع فضيلة الشيخ موسى بخبرة مهنية هائلة. كان مدرسًا في العديد من المدارس الثانوية في شمال وجنوب السودان، وشغل منصب مسؤول الإغاثة والتأهيل، وعُين مفوضًا إقليميًا للجبلين في الإقليم الاوسط في السودان وكذلك في الفاشر في دارفور. شغل منصب والي ولاية أعالي النيل في التسعينيات من القرن الماضي وأيضًا كعضو منتخب في البرلمان بالخرطوم وتم تعيينه وزيراً قومياً للثروة الحيوانية والسمكية. شغل منصب عضو لجنة رفيعة المستوى لتطبيق الحكم الفيدرالي في السودان وكان مقربًا جدًا من الشيخ حسن الترابي الذي أعجب بصموده ودقته الفكرية، لا سيما موقفه القوي من كيفية جعل الإسلام جاذبًا بافعال الخير بدون إكراه أو غش. تم تعيينه وزيراً قومياً للسلام والتنمية وشارك في جولات محادثات السلام لصالح السودان وجنوب السودان. كان عضوا نشطا ذو اراء بناء في مبادرات السلام والمصالحة الوطنية والمحلية في أنحاء مختلفة من السودان. كان عضوًا في النوادي الرياضية والثقافية والاجتماعية حيث قدم فيلمًا وثائقيًا عن طقوس الدفن الملكي في مملكة الشلك.
ولم يقتصر الأمر على هذه الإنجازات فحسب، بل شارك الشيخ موسى المك في العديد من المؤتمرات الدولية لوكالات الأمم المتحدة (منظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج الأغذية العالمي، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)، ولجان وزارية دولية و قومية، وفي المؤتمر العالمي للشباب الإسلامي عمل كعضو في مجموعة حوار جنوب السودان والسودان مع مشاركة نشطة في الجولات التي جرت في زنجبار وأروشا ونيروبي وأديس أبابا والخرطوم وجوبا وأتلانتا في الولايات المتحدة الأمريكية بدعم من مركز كارتر. حضر وقدم أوراقًا في العديد من الندوات وورش العمل والمؤتمرات حول القضايا السياسية والاقتصادية والتهجير والعودة إلى الوطن وإعادة التوطين. إحدى هذه الأوراق كانت عن “مسلمي جنوب السودان: حقائق وآفاق”، قدمت في مركز الدراسات السودانية في سانت أنتوني، جامعة أكسفورد.
شغل الشيخ موسى المك منصب عضو مجلس إدارة بارز في البنك الزراعي السوداني، وبنك التوفير السوداني، وبنك نعمة للاستثمار، وبنك بوفالو التجاري، ومنظَّمة الدعوة الإسلامية، والجامعة أفريقيا العالمية، وجامعة أعالي النيل، ومركز إيبوني للاستراتيجيات. و جمعية القرآن الكريم ورئيس مجلس إدارة دار الأرقم للمتحولين الجدد في السودان و جنوب السودان على التوالي وهو أحد مؤسسي المجلس الإسلامي لجنوب السودان وامين الشؤون الخارجية والتعليم والحوار بين الأديان وكذلك المجلس الأفريقي للتعليم والتنمية.
كان أول زعيم فكري وسياسي يقدم الشهادة الثانوية الدولية في جنوب السودان. والجدير بالذكر أنه كان مستشارًا لمؤسسة آل مكتوم في دبي، ورئيس مجلس إدارة شركة السلام القابضة (مجموعة السلام والتنمية المكونة من 6 شركات) والرئيس التنفيذي لشركة TAGA لتنمية الموارد البشرية ومقرها جوبا في Hamza Inn على طول NOTOS Drive.
٦- *الخلاصة.
من هذا الملف الشخصي المختصر، يمكن أن نرى كيف خذل الجلابة السودانيون منظمة الدعوة الإسلامية ودمروها من خلال إنكار وجود سوداني اسود مسلم كفضيلة الشيخ موسى المك كور فافيتي لقيادة الأمانة العامة.برغم من الثقة التي اكتسبه من المانحين والمؤسسات الفردية في دول الخليج، الشرق الأوسط، آسيا.
لقد رفع فضيلة الشيخ موسى اسم جمهورية السودان وكرامته في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي كله.
سوف يظل السودانيون نادمون في تاريخهم لبناء الأمة بسبب صنعيتهم في التآمر ضد هذا المسلم المتميز والمعتدل من جنوب السودان.فان الإرث لن يغفر لهم على هذا. ليس ذلك فحسب، بل إن ملفهم القذر المعروف عن الفساد والخداع تحت غطاء الدين قد تم الكشف عنه.
أتمنى أن تكون الزيارة الرسولية للبابا فرنسيس إلى جنوب السودان في فبراير 2023 رسالة عظيمة إلى الجلابة في الخرطوم بعد 30 عامًا، على غرار زيارة القديس البابا يوحنا بولس الثاني إلى السودان في فبراير 1993. وسيكون الشيخ موسى المك كور من بين الوجهاء الذين سيباركهم البابا خلال الصلاة المسكونية في ضريح الدكتور جون قرنق في جوبا.
——————————————–
جيمس أوكوك محلل سياسي شهير من جنوب السودان وباحث حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة نيروبي. يمكن الوصول إليه علىjpadiet@gmail.com