“تقف في صف روسيا”.. “أوبك بلاس” وقرارات اقتصادية بطابع سياسي
واجوما نيوز
واجوما نيوز – وكالات /تقرير
يشير قرار مجموعة “أوبك بلاس” خفض إنتاج النفط بنحو مليوني برميل يوميا، إلى نية المنخرطين فيها الحفاظ على مستوى المعروض في السوق الدولية بما يضمن استقرار الأسعار أو ارتفاعها مجددا بعد انخفاض نسبي شهدته خلال الأشهر الأخيرة، حسب خبراء.
ويقود قرار “أوبك بلاس” إلى التساؤل حول التحالف نفسه، الذي يجمع بين دول أعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” وأخرى منتجة للنفط وغير منخرطة فيها.
“أوبك”
منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) هي منظمة تجمع عدة دول، تم إنشاؤها في مؤتمر في بغداد في سبتمبر 1960، من قبل إيران والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية وفنزويلا.
بعد ذلك، انضمت دول أخرى لهذه المنظمة وشكلت تحالفا لمنتجي النفط، أصبح يضطلع بتحديد الإنتاج في السوق الدولية.
“أوبك” تجمع دولا تنتج النفط وتصدره، وهي تكتل هدفه التحكم في معروض النفط في السوق الدولية، ومن ثم هي تكتل اقتصادي بحت.
تنتج دول أوبك حوالي 30٪ من النفط الخام في العالم.
المملكة العربية السعودية هي أكبر منتج منفرد للنفط داخل أوبك، وتنتج أكثر من 10 ملايين برميل في اليوم
“أوبك +”
خلال اجتماع في الجزائر في سبتمبر 2016، اتفقت دول من منظمة أوبك على ضرورة خفض إنتاجها في سابقة منذ عام 2008، حيث تراجعت أسعار النفط بشكل كبير نتيجة وفرة زائدة للمعروض.
وشهر نوفمبر من نفس السنة، التقت ذات الدول في فيينا، واتفقت مبدئيا على خفض الإنتاج لكن بإقحام دول منتجة أخرى خارج منظمة أوبك، في مقدمتها روسيا، وهو ما أصبح يعرف إعلاميا بـ”أوبك بلاس”.
أوبك بلاس، ليست منظمة موازية لـ”أوبك” بل هي اتفاق يهدف للتحكم في سوق النفط من قبل المنتجين الذين يسيطرون على 60 في المئة من صادرات الذهب الأسود.
إلى ذلك، تمتلك دول أوبك مجتمعة نحو 80.4٪ من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، في حين أن مجموعة الدول الـ 11 غير الأعضاء في أوبك تمثل 9.7٪ من احتياطيات النفط المؤكدة.
ومع جمعها تكون نحو 90٪ من احتياطات النفط الخام المؤكدة في العالم بين يدي هذه الدول، التي لديها القدرة بذلك، على تعطيل أو تعزيز إمدادات النفط في السوق، وفق تقرير “نازداك” المتخصص.
وتشمل قائمة الدول في أوبك + غير الأعضاء في أوبك إلى جانب روسيا، أذربيجان والبحرين وبروناي وغينيا الاستوائية وكازاخستان والمكسيك وماليزيا وجنوب السودان والسودان وعمان.
وعلى مر السنين، تحوّلت هذه الاتفاقية التي ولدت استجابة للتحديات التي تفرضها المنافسة الأميركية، إلى علاقة طويلة الأمد وفق مختصين.
حرب أوكرانيا.. وجبهة النفط
يقول تاماس فارغا الذي يعمل لصالح “بي في إم انيرجي” (PVM Energy)، في حديث لوكالة فرانس برس، إنّ “كل الذين توقّعوا حياة قصيرة للتحالف، كانوا مخطئين”.
ويضيف “لقد نجا (التحالف) من عدّة حلقات من الاضطرابات”، خصوصا عندما انهار الطلب في بداية جائحة كورونا.
يبدو أنّ الحرب الروسية على أوكرانيا ساهمت في تعزيز هذا التحالف بدل زعزعته، فقد شكّل “أوبك بلاس” جبهة مشتركة لرفض فتح مضخّات البترول على نطاق واسع، على الرغم من دعواتٍ الغربيين الراغبين في وقف ارتفاع الأسعار.
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا والتي تسببت في ارتفاع الأسعار، كسبت موسكو نحو 120 مليار دولار بفضل صادراتها النفطية، وفقا لتقرير نشره “مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف” ومقره فنلندا، أوائل سبتمبر.
ولكن إنتاجها شهد انخفاضا منذ الصيف، متأثرا بالعقوبات الغربية.
تقارب سعودي-روسي
لذلك، يرى محلل أسواق النفط، عبد المالك سراي، أن القرار الأخير الذي اتخذته مجموعة “أوبك بلاس” يخدم روسيا بالدرجة الأولى.
وخلال اتصال هاتفي، مع موقع الحرة، أشار الخبير الجزائري، إلى أن قرار خفض الإنتاج “ولو أنه تقني إلا أنه يحمل في طياته نوعا من التقارب بين السعودية وروسيا”.
سراي برّر إعلان الدول المنتجة خفض إنتاج النفط بأنها تريد الاستقلال بقراراتها في مجال تحديد سقف الإنتاج، “بعيدا عن الضغوطات السياسية” وفق تعبيره.
ثم عاد ليقول إن روسيا اغتنمت سوء التفاهم الحاصل بين الدول الغربية والدول المنتجة وعلى رأسها السعودية، لتفرض منطقها على سوق النفط الذي يعاني أصلا من شح الإنتاج.
وأوضح أن القرار سيؤس لأسعار تتراوح بين 100 و 120 دولار للبرميل من النفط وهو ما تهدف إليه “أوبك بلاس” لكنه تنبأ بأن تثير هذه الأسعار إن بقيت على حالها مدة من الزمن أزمة اقتصادية خانقة في أوروبا.
وقال إن الأوروبيين ساهموا في هذه الوضعية باتخاذاهم قرارات فردية بينما دول “أوبك” و”أوبك بلاس” عملوا على تنسيق جهودهم لفرض سيطرتهم على سوق النفط.
ثم عاد ليؤكد أن هذه الصراعات الاقتصادية خدمت روسيا التي ستستفيد حتما من هذا الوضع، بينما تسير نحو تحقيق أهدافها في أوكرانيا.
انتقادات أميركية
وأثار قرار أوبك بلاس تخفيض الإنتاج بمليوني برميل يوميا انتقادات حادة من واشنطن، وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الخميس، إنه يدرس الخيارات المتاحة لمواجهة القرار.
وأوضح للصحفيين في البيت الأبيض “نبحث في البدائل التي نمتلكها”، مضيفا: “هناك الكثير من البدائل.. لم نحسم أمرنا بعد”.
كما أن المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، قال الأربعاء، في بيان بالخصوص، إن قرار أوبك + “مخيب للآمال لأنه غير ضروري وغير مضمون”.
من جهتها، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار الأربعاء “من الواضح أنه عبر قرارها .. فإن أوبك+ تقف إلى جانب روسيا”.
وكان بايدن زار السعودية شهر يوليو الماضي، لكنه لم يتوصل إلى اتفاق مع الرياض بشأن زيادة إنتاجها للنفط.
وخلال لقائه الصحفيين، الخميس، سُئل بايدن عما إذا كان يأسف لزيارته السعودية، بعد هذا القرار ، فرد قائلا إن الزيارة لم تكن تتعلق أساسا بالنفط، بل بالشرق الأوسط وإسرائيل.
وتشير تحليلات إلى أن الإدارة الأميركية ستتخد قريبا قرارات صارمة لمواجهة هذا القرار ومن ضمنها “دعم تشريع يستهدف أوبك بلاس في الكونغرس” وفق ما جاء في تحليل لموقع “أكسيوس“.
وحاولت إدارة بايدن مرارا ثني حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ولا سيما السعودية، عن خفض إنتاج النفط بشكل كبير، وفقا لمصادر متعددة ذكرها تقرير لشبكة أخبار “سي أن أن“.
وقال التقرير، إنه خلال الأيام الماضية، تم تجنيد كبار مسؤولي الطاقة والاقتصاد والسياسة الخارجية في إدارة بايدن للضغط على نظرائهم في دول الشرق الأوسط الحليفة، بما في ذلك الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية للتصويت ضد خفض إنتاج النفط.
يمثل خفض الإنتاج الأربعاء أكبر خفض منذ بداية الوباء ويمكن أن يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، لذلك يمكن أن ترى واشنطن في القرار “عملا عدائيا ضدها”.
وفي تصريح لـ”سي أن أن”، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، أدريان واتسون، “لقد أوضحنا أن إمدادات الطاقة يجب أن تلبي الطلب لدعم النمو الاقتصادي وخفض الأسعار للمستهلكين في جميع أنحاء العالم، وسنواصل التحدث مع شركائنا حول ذلك”.
طابع سياسي لقرار اقتصادي
تعليقا على هذا الوضع، قال خبراء لوكالة فرانس برس إن من الصعب للغاية عدم إضفاء الطابع السياسي على قرار أوبك بلاس في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار النفط بسبب حرب بدأتها إحدى الدول الأعضاء الرئيسية فيه.
وبُعيد غزو روسيا لأوكرانيا، قفزت أسعار النفط في مارس إلى ما يقرب من 140 دولاراً، متخطّية أعلى مستوى سجّلته في العام 2008.
ويجمع خبراء أن قرار تحالف “أوبك بلاس” خفض إنتاجه بدعوى دعم أسعار النفط، “خطوة أخرى في إطار التقارب بين السعودية، الزعيم الفعلي للمنظمة، وروسيا”.
ويرى الخبير الاقتصادي الأميركي، باولو فان شيراك، إن على الولايات المتحدة والدول الأوروبية تنسيق جهودهم في إطار موحد لمواجهة هذا التحالف المتنامي.
معادلة صعبة
شيراك أوضح في اتصال مع موقع الحرة، أن القرار ولو أن له تبعات سياسية على الغرب إلا أنه اقتصادي بحت.
ووصف الرجل هذه العلاقة بين السياسي والاقتصادي بـ”المعادلة الصعبة”.
وقال إن روسيا تبحث من خلال هذا القرار عن مزيد من الدخل وهي التي تتعرض للعقوبات الغربية، منذ غزوها أوكرانيا وأن “السعودية تبحث عن المال -بكل بساطة- لتحقيق أهداف مشروع 2030 الذي أطلقه ولي العهد محمد بن لسمان”.
أما عن الحلول المتوفرة للغرب في ظل هذا الوضع فقال “لا يوجد حل آني”، قبل أن يؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية لديها فرصة رفع إنتاجها المحلي بينما أوروبا “عليها الدفع وفقط”.
وقال: “تتوفر أميركا على مخزون من النفط، لذلك عليها رفع إنتاجها، لكن الأمر يتطلب نحو سنتين بينما أوروبا عليها أن تتوحد وإلا ستكون كل دولة منها مجبرة على أن تدفع.. أقصد تدفع أكثر”.