الكتابة والنشر: وسيلة حضارية لإشاعة الثقافة وحفظ ذاكرة الشعوب (١-٢)
واجوما نيوز
بقلم :دينقديت ايوك
واجوما نيوز
المقدمة:-
تهدف هذه الورقة إلى تقديم فكرة عامة عن ماهية الكتابة وأهميتها ودورها في حياتنا اليومية وفي حفظ ذاكرة الشعوب في ملخص نتج عن بحث قصير قمنا بها، ووظائفها وعلاقتها الوثيقة بالنشر، ومساهمة مؤسسات النشر في إزدهار الكتابة، وضرورة وجود الكاتب أو الكاتبة كخطوة سابقة للنشر، باعتبار أن فكرة اقتراع الكتابة ووجودها، هي التي مهدت الطريق لولادة فكرة تأسيس دور النشر، لنشر أفكار جموع الكتبة ورسل الكلمة.
أولًا- تعريفات الكتابة :
تُعْرَّفُ الكِتَابة على أنها شكلٌ مِنْ أشكال التواصل البشري التي تحمل مجموعة مِنْ العلامات المرئية المنطوقة – الأحرف – ويمثل كل حرف صوتاً، وتُشَّكِلُ هذه العلامات لغةً معينة بقواعدها وآدابها وثقافتها، بما في ذلك مستوياتها المتعددة مثل الكلمات والجمل، بالإضافة إلى المقاطع الصوتية التي تساهم في تشكيل تمثيلٌ مباشرٌ للفكر. كما تُعْرَّف الكتابة أيضاً بأنها نظام يتكون مِنَ الرموز المرسومة والتي يمكن أن تستخدم للتعبير عن المعنى المعين ونقله إلى الآخرين في رسائل وخطابات التي تمثل التواصل (1).
وتضيف الموسوعة الإلكترونية الحرة – ويكيبيديا – في تعريفها للكتابة دون أن تختلف كثيراً مع جوهر التعريف أعلاه، أن “الكتابة” تُمَثِّلُ وسيلة من وسائل التواصل البشري التي تُمَثِّلُ أيضاً لغةً ما عن طريق علامات ورموز معينة. يمكن للرموز المكتوبة أن تمثل اللغة المنطوقة عن طريق إنشاء نسخة مِنْ الكلام، والتي يمكن تخزينها للرجوع إليها مستقبلاً أو إرسالها لأماكن أُخرى. هذا يمعني أن الكتابة ليست مجرد لغة، ولكنها أداةٌ تُستخدم لجعل اللغات قابلة للقراءة. وتعتمد الكتابة على نفس هياكل الكلام الموجودة في اللغة مثل المفردات والقوعد والنطق، مع الاعتماد الإضافي على نظام معين من العلامات والرموز. وتسمى العمل النهائي أو النتجية النهائية لنشاط الكتابة بالنص، والذي يقوم بترجمة النص وفهمه هو القارئ (2).
ثانيًا- تاريخ بداية الكتابة وصراع الحضارات:
بهذه التعريفات، يمكن أن نقول في الملخص أن الكتابة تعتبر وسيلة حضارية ابتكرها الإنسان منذ زمن بعيد، وتعبر عن التسجيل المرئي لجميع اللغات البشرية المختلفة، وقد تمكنت من حفظ الأفكار والسجلات في صفحات البرديات قديماً أو على جلود الحيوانات الناعمة التي جرت في عملية دباغة، أو نقوش على الحجارة والصخور أو كتابات على جدران الكهوف وغيرها، وإرسالها لرسائل ومضامين خلال أزمنة سحيقة مِنَ الحِقَبِ والعصور، وهي واحدة من سمات الحضارة (3).
ووفقاً للمصادر التي اعتمدنا عليها لإعداد هذه الورقة، وجدنا تارةً أن الكتابة بدأت مع بروز حضارة كيمت (مصر الفرعونية السوداء القديمة) عن طريق الرسومات التي كانت صوراً تمثل الكلمات، واعتبرت الأحرف (الهيروغليفية) أول الكتابات التي ابتكرها أهل مصر القدماء السود، وسميت بالكتابات التصويرية لأن الإنسان استخدم فيها صور البشر والطيور والحيوانات من الثدييات والنباتات ككتابة للتواصل مع أخيه، ووجدنا تارةً أُخرى أن الكتابة بدأت في بلاد السومريين عند الرافدين: الدجلة والفرات، واستمرت بعد ذلك ووصلت لشعوب أُخرى مثل الأكاديين والبابليين والآشوريين، وإنتشرت الكتابة بعد ذلك عبر التاريخ إلى شعوب أُخرى.
هناك نوعان من الكتابة: الأولى تسمى الكتابة التصويرية، والثانية وتسمى الكتابة الصوتية، وهي السائدة الآن. وقد تطورت الكتابة عبر التاريخ من الكتابة التصويرية إلى الكتابة الصوتية المكتوبة بعد ابتكار الأصوات (الأحرف) حتى يومنا هذا.
وتقول بعض المصادر التي أضطلعنا عليها حول هذا الموضوع، أن هناك مصادر تقول إنه لم يتم التوصل للشخص الذي أتى بفكرة الكتابة وتطورها أو الزمن الذي بدأت فيه الكتابة، وتؤكد ذات المصادر أن العلماء الأوروبيون يقترحون أن الكتابة بدأت في العام 6000 قبل الميلاد، دون تحديد المكان الذي بدأت فيها حول المعمورة، وهذا موضوع جدلي في رأيي، لأن الكتابة بدأت هنا في أفريقيا ونقلته يونانيون أتوا لتلقي في أفريقيا في كيمت، هنا في مصر (كيميت الفرعونية السوداء)، ومعلوم أن أول جامعة في دنيا كانت هنا في أفريقيا في دولة مالي الحالية وبالتحديد في مدينة تومبوكتو الأثرية.
وربط هؤلاء العلماء الأوروبيون بداية الكتابة بأصوات الأحرف، وهذا ليس صحيح، إذ كانت هناك الكتابة التصويرية التي هي الكتابة الأُولى في الدنيا، ثم الكتابة الصوتية التي جعلت لكل صوت حرف، وأفضت هذه العملية في خاتمة المطاف إلى وجود أبجدية كاملة في منظومة اللغة، وانتقل نفس النظام إلى جميع اللغات الموجودة في العالم اليوم، إذ يمثل كل حرف صوتاً محدداً (4) و(5).
ويبلغ عدد أصوات اللغة الانجليزية السائدة اليوم في معظم أنحاء العالم المتحضر ستة وعشرين صوتاً، فيما يبلغ عدد الأصوات في لغة العربية ثمانية وعشرين أو تسع وعشرين صوتاً، بعد إضافة الهمزة كصوت منفصل عن بقية الأصوات الثمانية والعشرين. وأنا هنا استعين باللغة العربية والانجليزية باعتبارهما اللغات السائدة اليوم في محيطنا الإقليمي والاجتماعي، وأنا الآن أخاطبكم بها.
إن النقطة السالفة الذكر بأن من أتى بفكرة الكتابة والمكان الذي بدأت فيه الكتابة، فكرة تمثل تضليل في رأيي، وهذا مربوط بصراع الحضارات في العالم، وصراع الحضارة في مفهومه النهائي يسعى إلى وضع جنس بشري محدد في القمة، والعمل على ترويجه عبر وسائل الإعلام وتقديم الدعاية للعالم عنه بغرض تسويقه، كي ينظر إليه بقية الأجناس البشرية، بأنه الأسمي والأعلى. لمن ليكن الأمر واضحاً للجميع أن الكتابة بدأت هنا في أفريقيا، ولا شك في هذا.
المركزية الفكرية الغربية، تقدم الغرب للبشرية كحضارة لا تضاهيها أي حضارة في الأرض وتتباهى بما بلغت مع انجازات واقتراعات علمية، وتعمل على تصوير الآخرين، وخصوصاً أفريقيا، بأنها ليست لها حضارة، رغم أن أول إنسان عاش هنا في أفريقيا.
أما المركزية الفكرية العربية، فهي تجاري الغرب في كل كبيرة وصغيرة، وتعمل على تقديم الصورة النمطية عن أفريقيا، كقارة ليس لها حضارة وفقيرة ومتخلفة. جميع الحضارات الأُخرى تعمل على تصوير أفريقيا كلا شيء حضارياً، رغم أنها هي مهد الحضارات الإنسانية الأُولى. هذا نتاج صراع الحضارات في عالمنا اليوم، وصراع الحضارات عنوان لكاتب غربي صامويل فيليب هانتنغتون (1927-2008م).
وإذا ربطنا هذه الورقة بواقعنا، وهو أمر ضروري، أن نربط الورقة بواقعنا. نحن لدينا لغات مختلفة، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، تبلغ عدد الأصوات في لغة الشلو، بحسب مؤتمر رجاف للغات الذي انعقد في العام 1928م تسع وعشرين صوتاً، فيما تبلغ عدد جملة الأصوات في لغة النوير تسعاً وعشرين صوتاً أيضاً، ويبلغ عدد الأصوات في لغة مجموعة كارو خمسة وعشرين صوتاً، فيما تبلع عدد الأصوات في لغة الدينكا أربعاً وثلاثين صوتاً، كل هذه المعلومات بحسب مؤتمر رجاف للغات في عشرينات القرن المنصرم (6) و(7).
يتبع……
دار رفيقي للطباعةوالنشر