كتاب جنوب السودًِان والحروب الدائمة فكرة “الثورة الوطنية الديمقراطية” لدى البروفيسور بيتر أدوك نيابا (2-2)
واجوما نيوز
بقلم: تيكواج فيتر
واجوما نيوز
مقدمة:
تسعى هذه الورقة إلى عرض فكرة الثورة الوطنية الديمقراطية لدى البروفيسور بيتر أدوك نيابا، الذي يعد واحد من الرعيل الثالث من النخبة السياسية في جنوب السودان، إن فكرة الثورة الوطنية الديمقراطية بحسب الكاتب كان هو الهم الشاغل بالنسبة له منذ الإنضمام إلى صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان، والإنضمام لإنقلاب 1991م والإنضمام إلى تمرد د.ريك مشار في يوليو 2014، حتى بعد الإستقالة من الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة، فإنه مازال يؤمن بضرورة إنطلاق هذه الثورة واستمرار النضال، لان الإستقالة لا تعني إنه تخلى عن فكرة الثورة الوطنية الديمقراطية، لأن النضال عملية مستمرة.
وتجدر الإشارة إلى أن إختلاف الكاتب مع أسلوب وطريقة قيادة ما كان يعتقد إنها محاولات لقيادة “حرب التحرير من سلوك وممارسات الإنظمة المتعاقة على الحكم في السودان” مع الحركة الشعبية وفصيل إعلان ناصر “بسبب دكتاتورية قرنق”، وتمرد 2013 “ضد الدكتاوتورية وصعودة القومية الإثنية”، يرجع إلى خليفة الكاتب وتأثره بالتوجهات الإشتراكية، ويعطي أهمية كبرى لضرورة وضع برنامج ديمقراطي ووطني من أجل تغيير واقع جنوب، الذي يتسم بتخلف ثقافي واجتماعي واقتصادي واقتصادي، ويؤكد الكاتب أن هذا التغيير كان يفترض أن يتم خلال مرحلة النضال 1993-2005م وفي 1991م و2013، الذي يفترض أنها محاولات كانت تهدف إلى إحداث تغيير لواقع يتسم بالاقصاء السياسي، والتهميش الاقتصادي والتمييز الاجتماعي قبل الانفصال وهو ما استمر في نموذج أكثر سوءاً بعد الإنفصال في جنوب السودان.
وبالتالي فإنه أكد أيضاً على إمكانية قيام هذه الثورة موضحاً المتطلبات والمرتكزات الرئيسية لهذه الثورة. لذا يمكن تناول هذا الموضوع من خلال النقاط التالية:
#أولاً- تعريف الثورة الوطنية الديمقراطية:
من ضمن التعريفات التي خرج بها الكاتب عن الثورة، هي إنها أي الثورة هي بناء واقع اجتماعي جديد في جنوب السودان أي بالأحرى بناء دولة وطنية ذات أنظمة اجتماعية، واقتصادية، وسياسية تختلف عن تلك التي كانت قائمة في ظل أنظمة الخرطوم القمعية، ويضيف “إن أبسط تعريف للثورة هو أنها عملية تغيير”.
#ثانياً- علاقة الثورة الوطنية الديمقراطية بالعنف والايدلوجيا:
أشار الكاتب إلى وجود مخاوف عند سماع كلمة “ثورة” بالرغم أن العنف “أمر لا مفر منه”، وضح أن استخدام العنف بدون وجود برنامج ايديولوجي سياسي واضح، يعود إلى الفلس السياسي الذي لا يحدد أهداف وبرنامج لتغيير الواقع، لأن ثورة بدون برنامج عملي وعلمي لتغيير الواقع تعتبر إهدار للطاقة الثورية “كما حدث في جنوب السودان وخيانة شعب جنوب السودان من قبل النخبة السياسية التي تتسم بالشوفينية الإثنية المتطرفة”، وهو سبب فشل بناء الدولة في جنوب السودان، لأن القيادات السياسية إفتقدوا لبرنامج إصلاحي واضح لبناء الدولة، بالإضافة إلى إفتقادهم لثقافة حكم وإدارة الرشيدة للدولة.وبالتالي يرى الكاتب أن بجانب وجود مخاوف من كلمة الثورة، يوجد مخاوف من “الإيديولوجيا”، سيما من اليمينيين المتطرفين والليبراليين ذات خلفية كنسية، واعتبار الايديولوجيا سيئة لأنها ترتبط بالشيوعية أو الاشتراكية من وجهة نظرهم وقصرها، فإن الشعارات التي تم رفعها طوال مراحل النضال كانت قريبة من وعود زائفة بحياة أفضل بعد الموت، إلا أن الإشتراكية تتحدث عن الحياة ما قبل الموت.
ثالثاً- أسباب الثورة الوطنية الديمقراطية:
يرى الكاتب أن هناك العديد من الأسباب الدافعة لضرورة قيام ثورة وطنية ديمقراطية، منها إفتقار قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان ورفاقهم من حزب المؤتمر الوطني والاحزاب الاخرى، إلى مبادئ توجههم نحو تلبية تطلعات الشعب في الحرية والعدالة والازدهار والرخاء، وإكتفوا بنهب ثروات البلاد بالتعاون وتواطؤ من الدول الإقليمية.
كما أن عدم وجود برنامج لبناء دولة وتكليف شخصيات لا تتعدى فكرهم حدود قريتهم لتولي مناصب رفيعة وإدارة ملفات وطنية ودولية، هذا الأمر كله أدى إلى إنخفاض مطرد في المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية إلى حد أصبحت جميعها سلبية، إن هذا الفشل في توفير التنمية الاجتماعية والاقتصادية، أنعكس في المستوى السياسي في شكل الصراع على السلطة.
وبالتالي فإن الفشل يرجع لعدم وجود قيادة ذات أيديولوجيا ثورية تعمل على وضع برنامج لمعالجة التخلف الاجتماعي والثقافي ضمن أجندة عملها، وتشجيع الجميعات الإثنية والعشائرية والمحلية، وتمويل تلك الجمعيات بهدف تقسيم الناس وإفساد تضامنهم، مما حفز تغلل المشاعر الإثنية إلى كافة مفاصل الدولة سيما المجلس التشريعي، وقاد كل هذه التناقضات إلى الحرب الأهلية التي تسبب كما يصفه د. ادوك نيابا بـ “الحرب الطائشة” داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان في استحالة تطوير نظام حكم يعطي اعتبار للجدارة في أهمية التعليم والخبرة المهنية والممارسة.
رابعاً- أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية:
إن جنوب السودان بحاجة إلى تحول جذري صوب ثورة وطنية ديمقراطية، حيث أكد البروفيسور أدوك نيابا بأنها مرحلة لا مفر منها في سبيل التنمية الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، وضرورة استغلال الموارد حتى تكتسب قيمة اقتصادية، من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية في جنوب السودان وإنشاء مشاريع بنى تحتية، بالإضافة إلى القضاء على سيطرة عصابة يمينة بدائية على الدولة والمتجمع والاقتصاد الذين يستغلون جهل وفقر الشعب لتقسيمهم على أسس إثنية ومناطقية لمنع تعاضدهم.
خامساً- تحديات قيام ثورة وطنية ديمقراطية:
يرى الكاتب أن الشعور بالقلق من عملية التغيير بحجة وجود خوف عند سماع كلمة ثورة، وخاصة من قبل تيارات اليمين والليبراليين/ التقليديين، لارتباط فهمهم للثورة من منظور العنف “استخدام القوة والسلاح”، يعتبر معرقل أساسي لقيام الثورة الوطنية خاصة عندما يتم إستغلال جهل وفقر الجماهير، والسعي إلى بقاء الوضع كما هو عليه من أجل مصالحهم الضيقة.
يعتبر دور الحرب احد التحديات في اعاقة نضج أدوات الصراع السياسي، من خلال توجيه الناس إلى الطريق الخاطئ نحو السياسات الإثنية والمناطقية
سادساً- ما هو نوع الثورة التي يحتاجه شعب جنوب السودان؟
قبل أن يتطرق الكاتب إلى نوع الثورة التي يحتاجه جنوب السودان، قام بعرض الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في جنوب السودان، وتحدث عن تأثير الثقافة السائدة في الإمكانات الاقتصادية التي يتمتع بها جنوب السودان، التي تعكسه إمتلاك المجتمعات لمئات وآلاف قطعان المواشي في الوقت الذي يتم تصنيف سكان جنوب السودان من ضمن أفقر دول العالم، بالإضافة إلى التظاهر الدائم في حاجتهم للتدخل الإنساني الدولي.
فرغم توافر تلك الموارد الهائلة إلا أنها غير مستغلة بالشكل الذي يمكن أن تعطيها القيمة الاقتصادية في شكلها النقدي، الذي يرجع لعدم قيام المجتمعات الجنوب سودانية إلى بتطوير القوة الإنتاجية التي مازالت تتبع النهج التقليدي دون مواكبة الحياة العصرية وما تبعها من تطور تكنولوجي، إنما ظلت المجتمعات تحتفظ بتلك الموارد “كأصول ثقافية، فحسب لإظهار المكانة الاجتماعية، وفي أحسن الأحوال يستخدمونها مهر في الزواج”، ففي حالة إستمرار تلك الثقافة السيئة لن يتمكن شعب جنوب السودان من توفير الموارد المالية اللازمة لسد الحاجات الضرورية وغيرها.
كما يضيف تفسير هذا الواقع الثقافي، في اعتماد السكان ممن يمتلكون كم هائل من المواشي على ذويهم ممن يعملون في المصالح الحكومية أو القطاع الخاص بطلب المساعدات المالية، دون إستغلال ما يمتلكونه من موارد يمكن أن يدر لهم عوائد مالية أو حتى بيع جزء من المواشي خشية من وصمة العار في حال بيع الماشية بحسب الثقافة السائدة وسط المجتمعات، يضيف الكاتب: ” كيف نصم من يمتلك 100 راس من الماشية فقيراً؟، فإن تربية الماشية هي التي تجعله فقيراً”، وبالتالي يجب العمل على تغيير هذه الثقافة، وهذا ما نعني به بالثورة في الجانب الثقافي، وبالتالي الثورة المقصود منها هو تغيير مفاهيم الجماهير وتوعيتهم وتنبيههم من الخداع الذي يقع عليهم من النخبة السياسية،
سابعاً- المهام “الوسائل” اللازمة من أجل تنفيذ ثورة وطنية ديمقراطية:
يرى الكاتب أن هناك مهام وممكن أن نعتبرها وسائل تنفيذ الثورة الوطنية الديمقراطية، ينبغي على التقدميين والديمقراطيين الوطنيين القيام بها وإتباعه من أجل ضمان تحقق الثورة الوطنية الديمقراطية، ويتمثل فيما:
أ- المهمة الأولى: رفع مستوى الوعي الاجتماعي والسياسي وعبارة التعليم وتوعية الجماهير.
ب- المهمة الثانية: التنظيم “الأكثر أهمية”، وهي ليست بالمهمة السهلة حسب رأي الكاتب، بل يحتاج إلى الإجتهاد والإنضمام، لأن ضعف التنظيم السياسي هو الذي عطل تطور الوعي السياسي في جنوب السودان، من خلال تجاهل الهياكل التنظيمية والاعتماد على رئيس الحزب أو الحركة فحسب دون غيره.
ثامناً: أطراف المواجهة في الثورة الوطنية الديمقراطية:
أشار الكاتب أن هذه الثورة تقودها التقدميين الديمقراطيين الوطنيين، من أجل توعية الجماهير أي شعب جنوب السودان لإدراك وفهم كيف يتم إستغلالهم في حروب عبثية، من قبل من يعرقلون أي محاولات لتغيير الواقع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي إلى واقع أفضل، وهم اليمينيين والتقليديين المتطرفين الذين يسعون إلى بقاء الوضع كما هو عليه حتى لو تطلب الأمر إستخدام القوة المسلحة ودفع المساكين من شعب جنوب السودان إلى هاوية الموت وغيرها، فحسب من أجل الحفاظ على مصالحهم وليس من أجل إثنية أو حزب معين.
خاتمة:
أعتقد أن الكاتب تراجع عن فكرة قيادة ثورة عن طريق “القوة المسلحة”، ويدعو إلى “ثورة سلمية” إلا أنه أكد إن نجاح الثورة الديمقراطية الوطنية يعتمد على “السلام والاستقرار وسيادة حكم القانون”، الحال الذي من خلاله يتاح الحريات حتى يتمكن التقدميين والديمقراطيين من ممارسة دورهم التنظيمي ونشر ورفع مستوى وعي الجماهير، وهو وضع بعيد المنال لكل متابع للراهن السياسي في جنوب السودان، لكنه أكد أن الثورة الوطنية الديمقراطية قد تاخذ وقت طويل في ظل الواقع الحالي.
ويراجع الكاتب عن إمكانية نجاح ثورة مسلحة (لأسباب قام بتوضيحها في متن الكتاب – يفضل الرجوع إلى الكتاب) يرجع إلى تجاربه السابقة وكانت التجربة الأخيرة أخر محاولة (للمزيد اطلع على الخاتمة من ص 433-476)، تحدث فيها عن الحركة الشعبية في المعارضة منذ الإنضمام وخفايا وأسلوب القيادة حتى الإستقالة منها، وهذه الاستقالة تهدف إلى خلق أدوات سياسية وأيديولوجية جديدة لتحقيق التغيير الوطني الديمقراطي المنشود بحسب تعبير الكاتب.