معركة تكسير العظام وسط شلليات النظام (١)

واجوما نيوز

بقلم:شوكير ياد

واجوما نيوز

جرت العادة في جنوب السودان ان يتم ربط غياب الإستقرار السياسي والإقتصادي الذي أصاب عمق الدولة الجنوبسودانية، بالصراع السلطوي القديم والمتجدد بين قادة الحركة الشعبية، والذي تطور مع الإستقلال ليتخذ أبعادا واشكالا مختلفة ، منها السياسي، الإقتصادي، والاثني. وقد يصدق الأمر مع تلك الفرضية في معظم الاحوال. فإذا رجعنا الى الوراء قليلا، أي ما بعد الإستقلال وحتى وقتنا الراهن، نجد ان صراعات قادة الحركة الشعبية تعد المسبب الرئيس لعدم الاستقرار السياسي في جنوب السودان. بيد انه في وسط تلك الصراعات السياسية بين قادة الحركة الشعبية، نشأت صراعات جانبية أخرى كانت لها كبير الاثر في تشكيل الواقع السياسي المأزوم الذي تعيشه البلاد في الوقت الراهن.

نشأت هذه الصراعات الجانبية عقب أحداث ديسمبر 2013، والتي تعد المرحلة المفصلية في تاريخ الحركة الشعبية، والتي إنشطرت على إثرها “أميبيا” الى مجموعات متشرذمة ومتناحرة حول السلطة. بعدها مالت مقاليد السلطة الى الرئيس كير، حيث سيطر على كل مفاصل الدولة ، وأضحى الآمر والناهي في كل أمور البلاد. وظهر في خضم تلك الأحداث السريعة والمتلاحقة مجموعة من الإنتهازيين “السماسرة والمقاولين” داخل وخارج الحزب الحاكم ، سعت الى التحكم في الحياة العامة في البلاد؛ وذلك من خلال التأثير المباشرعلى المسار السياسي في جنوب السودان عن طريق الالتفاف حول الرئيس كير. وقد نشأ بين تلك الجوقة من السياسيين “الانتهازيين ” نوع من التنافس حول من يكسب ثقة الرئيس كير؛ وذلك بهدف تعزيز المصالح الذاتية والشخصية. بيد أن الأمر إختلف في ظل إستمرار ذلك التنافس، والذي تحول الى نوع من الصراع السياسي الحاد مع مرور الوقت، وإنهيار الأوضاع الإقتصادية ؛ وذلك للانفراد بالرئيس كير، وعزله من مجموعات سياسية أخرى موالية من اجل التحكم في مفاصل الدولة سياسيا،اقتصاديا .
وقد ظهر هذا الصراع الى السطح بصورة أوضح ، خلال تولي الوزير مييك أيي حقيبة ” وزارة مكتب رئيس الجمهورية”، حيث سعى الرجل الى تكوين تحالفات سياسية قوية مع شخصيات سياسية نافذة في داخل مؤسسات حكومية حساسة وهامة في الدولة. ويمكن الحديث في ذلك السياق، بأن الوزير المقال ” مييك أيي” نجح في تكوين تحالف قوي، يضم كل من مدير الأمن الداخلي، ومستشار الرئيس للشؤون الأمنية. حيث نجحت تلك المجموعة في احتواء الرئيس كير، وإبعاد خصومهم من المشهد السياسي، أمثال وزير شؤون قدامى المحاربين والدفاع ، كوال منيانق،القيادي بالحركة الشعبية ، اويت اكوت، ونيال دينق نيال. بجانب التحكم التام في الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، من خلال المساهمة والتأثير في تعيين شخصيات موالية في مناصب تنفيذية هامة ، مثل شركات البترول ، الخارجية، والبنك المركزي.

وقد أفرزت تلك الممارسات من قبل الوزير “أيي” ومجموعته، الى قيام تحالف آخر مناهض لتلك الممارسات ، يتزعمه وزير الخارجية الأسبق نيال دينق.

ومن هنا نشأت معركة تكسير العظام بين المجموعتين؛ وذلك من أجل كسب ثقة الرئيس كير، بغرض تعزيز مصالحهم الذاتية.
ويعد منصب وزير مكتب الرئيس ، محور الصراع، والطريق الى القصر، حيث يبدأ الصراع من خلال محاولة السيطرة عليه، لكونه المنصب الأكثر قربا من دوائر صنع القرار السياسي في البلاد.

بيد ان رياح التغيير ، جاءت بما لا تشتهيه سفن المجموعة الاولى ، حيث نجح “نيال دينق” في العودة الى المشهد السياسي، من خلال توليه منصب وزير مكتب الرئيس، عقب الإطاحة بسلفه “أيي”.

بيد ان عودته الى الساحة السياسية، حملت الكثير من الاستراتيجيات والدوافع القوية التي تجاوزت إطار شخصيته المعتادة. فمن ناحية ، لم ينسَ الرجل ، مرارات مؤامرة الإطاحة به من حقيبة وزارة الخارجية، والمجموعة التي كانت وراء مخطط اقالته. لذلك فمنذ الوهلة الأولى ، خطط للإنتقام من خصومه السياسيين، إبتداءاً من تلميذه ” مييك أيي”، ومن ثم بقية أعضاء مجموعته في المؤسسات الحكومية الأخرى، مثل الشركة الوطنية للبترول، المعروفة محليا بـ “نايلبيت”. ومن ناحية أخرى، هدفت تلك العودة للتخطيط لهدف أقوى وأبعد، يتمثل في المشهد السياسي ما بعد الرئيس كير؛ وذلك كهدف استراتيجي يسعى لتحقيقه.

ولكن في وسط هذا الصراع المثير والمتشابك، والذي يتمحور حول من يكسب ثقة الرئيس، يُلاحظ وجود شخصية محورية تقوم بلعب أدوار مؤثرة ومزدوجة في داخل مؤسسة الرئاسة في معظم الاحيان.
هذا اللاعب المحوري “الجوكر” يتمثل في شخص المستشار الرئاسي للشؤون الأمنية، والذي تعد الشخصية الأهم وسط صراع ” الاخوة الاعداء”.
فمن ناحية يحظى الرجل بثقة الرئيس كير، حيث يقوم بتقديم كل فروض الطاعة والولاء التام لكير. ومن ناحية اخرى ، يمثل الرجل “توت قلواك” حلقة الوصل بين الرئيس كير وكل من يطمح لتحقيق الأهداف الشخصية ” مناصب سياسية” عن طريق كسب ثقة الرئيس ، كامتياز لتحقيق المآرب الشخصية .
ولكن من المفارقات الغريبة ، ان يقوم ” الرجل الزئبقي” بإستغلال تلك الوضعية لخدمة أهدافه الخاصة في الكثير من الأحيان. ويمكن القول بأن كل من يدخل معه في مواجهات سياسية يكون الخاسر الاكبر بكل تأكيد. فحينما حاول نيال دينق وبعض المجموعات السياسية المقربة من الرئيس الاطاحة بـ “المستشار توت قلواك” وجدوا انفسهم خارج دائرة إهتمام الرئيس كير.

فقد أضحى الرجل أحد الظواهر السياسية التي تعجز ادبيات العلوم السياسية عن تفسيرها ووضعها في اطار نظرية سياسية محددة.
وربما تعلم الوزير نيال دينق الدرس، وتأكد من صعوبة الاطاحة بالمستشار الزئبقي، والتعايش مع الأمر كحقيقة ماثلة.

يتبع

Translate »