اهمية التدوين والتوثيق محاضرة مقدمة ضمن فعاليات معرض دار ويلوز للكتاب بجوبا

بقلم : اتيم سايمون

واجوما نيوز / قاعة قرين روكون ، 9 أكتوبر 2020

هناك تساؤلات عديدة ظلت تطرح نفسها عن التدوين واهميته في الوقت الحاضر الذي نعيشه بتقلباته والثورية المعرفية والتقنية المستمرة، الا اننا وبالوقوف على تاريخ الكتابة عبر العصور سنلاحظ انها استمرت كفعل حضاري بذلت فيه المجتعمات البشرية مجهودات كبيرة ومقدرة، وطوروا ادوات أكثر سهولة لتوثيق كلما ارادوا حفظه، من اجل نقل التقاليد المتعارف عليها بشكل دقيق وتحويلها من تراث شفهي الى مادة مكتوبة حتى لا تتعرض للتشويه او التحوير او التضخيم، علما بان مايتم تدوينه يتم التعامل معه بجدية واحترام ومصداقية.

تعريف التدوين:

يعود أصل كلمة التدوين إلى “دوّن” ومعناها الكتابة، أيّ تحويل الكلام، والأفكار، والوقائع أو نقل عن الآخرين إلى نص مكتوب يمكن قراءته. وتعددت أشكال التدوين واختلفت من ثقافة إلى أخرى، فقد دوّن الأوروبيون ثوراتهم، وحقبات حكم ملوكهم، وتقدم العلم والترجمة في بلادهم، وحتى يومنا هذا أخذ التدوين منهجاً جديداً مع دخول الإنترنت إلى حياتنا، فتعددت أساليبه وأصبح منها ما هو على شكل صورة أو فيديو أو تدوين إلكتروني. (1)

يعرف الكثير من العلماء والدارسين الكتابة بانها التسجيل المرئي لجميع اللغات المختلفة للانواع البشرية، من اجل حفظ وارسال الافكار عبر المسافات البعيدة، مثلما انها تعتبر واحدة من العلامات الحضارية البائنة، ويرى بعض العلماء ان الكتابة بدات في العام 6000 قبل الميلاد.

وترى الموسوعة الحرة ان الكتابة تُمثّل” وسيلة تواصل بشري تمثل لغةً ما عن طريق علامات ورموز معينة. بمعنى آخر فالكتابة ليست لغة، وانما هي أداة تستخدم لجعل اللغات قابلة للقراءة. وتسمى النتيجة النهائية لنشاط الكتابة بالنص، والذي يقوم بترجمة النص وفهمه بالقارئ”. (2)

وتكمن الاهمية التاريخية للكتابة في انها استخدمت لتقسيم عصور التطور البشري ما بين عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية، وتتحدد انظمة الكتابة وتتشكل على ضوء احتياجات مستخدميها، مثلما يتغير شكل الرموز الكتابية ومعناها مع مرور الوقت.

و الكتابة بالنسبة للبعض الاخر تعتبر عملية معقدة لانها تتطلب القدرة على تصور الافكار وتقديمها في قوالب مقبولة واساليب متنوعة ، وعميقة وتتسم بالطلاقة ، بجانب عرض الافكار بوضوح و العمل على معالجتها بدقة كبيرة ، كما ان الكتابة تمكن الانسان من نقل صورة نفسه للاشخاص الاخرين ، لذلك تعتبر بلا ادنى شك واحدة من وسائل التعبير عن الذات ، مثلما ان سمة الثبات و الديمومة التي تحملها الوثائق المكتوبة تشبع رغبة الانسان في الخلود بعد الموت من خلال خلود الافكار و تخليد انفسهم للاجيال المقبلة ، فالكتابة تعتبر صنعة متخصصة لكل من يحملون هم جعل الارض مكانا افضل للحياة ، عبر نشر مذاهبهم وارائهم التي تحقق تطلعاتهم تلك .(3)

وبالضرورة فان الكتابة تساهم ايضا في تحسين قدرة الافراد على حل المشكلات والتفكير بصورة نقدية، وبناء مهارات البحث المنطقي، الى جانب المساعدة في اتخاذ المواقف والتقديرات السليمة والمرضية. وقد جاء اختراعها كواحدة من أعظم انجازات البشرية كمساهمة كبيرة في عملية نقل المعارف الانسانية المتراكمة، لتستفيد منها الاجيال اللاحقة في شكل خبرات وثقافات، لانها تمثل وسيلة مستدامة لحفظ وتوثيق المعلومات والخبرات الانسانية مجتمعة.

ماهو التوثيق:

التوثيق في تعريفه هو انه مجال دراسة ومهنة اسسها بول اوتليت 1868-1944 وهنري لافونتين 1854-1945، ويسمي ايضا علم التوثيق، كما يسمى الهنيين المتخصصين في هذا لمجال بالموثقين، وفي العام 1968 تغير اسمه الى علم المعلومات، الا ان استخدام التوثيق لايزال ساريا حتى الان.

ويهتم التوثيق كعلم من علوم التاريخ بحفظ المعلومات وتنسيقها وتبويبها وترتيبها واعدادها لتصبح مادة بحثية، وهو علم مهم لدوره في حفظ النتاج الابداعي والانساني.

التوثيق ايضا هو حفظ الأحداث التاريخية والمعلومات العلمية ونقلها من الماضي إلى الحاضر ثم إلى المستقبل وإلى الأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة منها وينطبق هذا على التناقل الشفاهي للمعلومات والمعارف والمهارات، وهو ايضا علم السيطرة على المعلومات التي يمكن أن تتضمن الوثيقة والكتاب والصورة والتسجيلات الصوتية والفيديوية والنصوص الإلكترونية والعمليات الفنية التقليدية كالتجميع والاختزان والفهرسة والتصنيف.

هذا وتوجد عدة انماط للتوثيق: اهمها الكتابية التي تتمثل في المخطوطات، المطبوعات، الصحف والتقارير والبيانات والمذكرات والكتب، الى جانب التوثيق التصويري مثل الرسم بالزيت او الفحم او النقش على الاحجار والصور الشمسية او السينمائية او التلفازية، وهناك ايضا الوثيقة السمعية او المرئية مثل التسجيلات الصوتية او الاذاعية وغيرها.

 

*أهمية التوثيق:

تنبع اهمية التوثيق من انه يعتبر الركيزة الحقيقة التي يعتمد عليها الباحثون في البحث عن الحقيقة، ولكونه يمثل ايضا ذاكرة الأمة المضيئة اليقظة الحصينة التي لا يدركها النسيان، كما انه يمثل حلقة وصل متينة تصل حاضر الأمة بماضيها، والاهم من ذلك كله هو انه يقف كشاهد حي على نضال الأفراد والجماعات والمنظمات والحكومات والدول التي تعاقبت منذ فجر التاريخ، كما اننا نستطيع من خلال التوثيق ان نتعرف على مدى التطور الذي حصل في المجتمع في جميع مفاصل حركته في ذلك الزمن الماضي.

* التدوين والتوثيق.. في سياق جنوب السودان:

بالنسبة لواقع جنوب السودان كدولة، فهناك اهمية كبيرة للجمع والتدوين خاصة في هذه المرحلة المهمة من تاريخ التطور الاجتماعي الثقافي، وتنبع اهمية ذلك الى ان عملية التدوين والتوثيق بأشكالها العديدة تكاد تكون قليلة لاتتعدى بعض المحاولات المبذولة هنا وهناك من الكتاب، المبدعين، المثقفين والباحثين الأكاديميين، وبالرغم من تفرق تلك الجهود الا انها وضعت الملامح الرئيسية لمشروعات التوثيق التي ينبغي ان تشمل العديد من الضروب و المناحي الحياتية المختلفة.

  بدات تجارب التدوين و التوثيق في جنوب السودان ، من خلال مساهمات السياسيين و الاداريين و الصحفيين المبكرة ، منذ بداية خمسينيات القرن  المنصرم ، حيث انها تركزت بالضرورة حول الكتابة عن الازمة السياسية المرتبطة بتجربة الحرب والنضال من اجل تحقيق المطالب السياسية الخاصة بالجنوبيين آنذاك،  مع بداية الحرب السودانية الاولى وبروز حركة الانانيا (1) في منتصف خمسينيات القرن المنصرم ، حيث نشرت بعض الكتب التي تتحدث عن مشكلة جنوب السودان ودور حركة الانانيا وأهدافها و القيادات المنتسبة اليها من امثال الاب سترلينو اوهوري و اوليفر البينو بتالى ، وقد برزت كتابات جديدة بعد توقيع اتفاقية اديس ابابا لمجموعة من السياسيين ايضا من بينها مساهمات بونا ملوال مدوت ، و الدكتور لازاروس ليك مووت ، حول تداعيات انهيار اتفاق اديس ابابا و الصراعات التي انتظمت النخب في تلك الفترة ، وقد مثلت كتابات هذا الرعيل واحدة من اشكال التوثيق الكتابي الذي اهتم بتسليط الضوء بالبحث و الدراسة على المشكلة السياسية السودانية عموما و الحرب التي دارت رحاها في جنوب السودان اتفقنا ام اختلفنا معها. لكن الجهد التوثيقي الاكبر في تلك الحقبة كان هو الذي قام به الباحث والمؤرخ البريطاني دوغلوس جونسون الذي اهتم بجمع المادة الارشيفية والكتابة عن الرموز والشخصيات السياسية في جنوب السودان، بجانب تطور الحركة السياسية فيه كجزء من تاريخ السودان الحديث.

انصرف الاهتمام الاكبر في الكتابة ذات الطابع التوثيقي في جنوب السودان الى كتابة التاريخ السياسي كما اسلفنا ، وذلك لما اقتضته الظروف انذاك وشعور النخبة المتعلمة و التي لم يكن تكن امامها خيارات عديدة غير الانخراط في النشاط السياسي ، وربما استشعارا للدور المنوط بها في ابراز صوت جنوب السودان في هذا المجال ، ويعتبر كتاب الشهيد الراحل جوزيف قرنق حول معضلة المثقف الجنوبي واحدة من الاضاءات الهامة و المبكرة ،بجانب كتابات ابيل اليير (التمادي في نقض المواثيق و العهود) ، و البروفسير بيتر ادوك نيابا دكتور لام اكول اجاوين ،  و الاستاذ اروب مدوت (السودان الطريق الشاق نحو السلام)،اتيم ياك اتيم، الاستاذ ادوارد لينو وور ،امون مون وانتوك ،اليسون مناني مقايا ، سفرينو فولي، بجانب مساهمات الجيل التالى الذي يضم جون قاي يوه ، جوك مدوت ، نزولا عند التجارب المعاصرة في الكتابة التوثيقية المهتمة بالجانب السياسي .

مثلت تلك المساهمات مرجعية كبيرة لما احتوته من تفاصيل متعلقة بواقع العملية السياسية وتطورها عبر المراحل في جنوب السودان، لما تضمنته من سرد للأحداث وتضمين للوثائق التي لا غنى عنها لكل مهتم بالتجربة السياسية في جنوب السودان.

وفيما يتعلق بالجانب الخاص بالتدوين و التوثيق المتصل بالجانب الثقافي و الذي اعني به الكتابات و البحوث التي اهتمت بتاريخ المجتمعات و المجموعات الثقافية في جنوب السودان ، انماط حياتها ، عاداتها وتقاليدها ، طقوسها وتراثها المادي ، فقد كانت هناك تجارب ومحاولات عديدة قام بها جنوبيين في الكتابة ذات الطابع التوثيقي المكرس للجوانب الأنثروبولوجية ، الفولكلورية و الاثنولوجية ، من خلال اتباع اسلوب جمع وتوثيق الرواية الشفاهية ، وتمثل مساهمات كل من فرانسيس دينق خاصة كتاباته عن الدينكا ( الناس ، الحكاية الشعبية ، اساطير الخلق و التكوين) ، الى جانب كتابات جونسون ميان التي اهتمت بجمع واعادة كتابة الحكاية الشعبية عند الدينكا ، ومساهمات الباحث الفولكلوى جيمس الالا دينق في دراسة وتوثيق التراث الشعبي لقبيلة الشلك ، ودراسات فيكتور كيري عن عادات وطقوس المادي في جنوب السودان ، الى جانب الجهد التوثيقي للباحث جوزيف ابوك وكتاباته عن مجتمع المنداري، وكذلك البحوث و الدراسات التي قام بها الدكتور سلفادور اتير اشويل لوال ودراساته عن النظم الاقتصادية و الاجتماعية لمملكة الشلك ، ودراسات الميدانية التي قام بها الدكتور لازاروس لييك مووت حول الشلك ومجموعة دينكا بور ، وما قدمه لويس اني كوينديت في كتابة تاريخ الدينكا و المعتقدات التقليدية عندهم ، الى جانب الدراسات التي نشرها كلا من الدكتور بول دينق و الدكتور شول دينق يونق عن لهجة جوبا العربية ، وكتابات جون مايرا بلاكنز باللغة الانجليزية ،و العديد من الدرسات المنشورة مؤخرا عن دار رفيقي عن النوير كمجموعة ثقافية ، وقد مثلت جميع تلك الدراسات مصادرا هامة لاي باحث ودارس مهتم بجنوب السودان .

  هذا وقد برزت اهم اشكال التوثيق و التدوين في جنوب السودان والتي تتمثل في كتابة تاريخ الاعلام و الشخصيات ، الى جانب السيرة الذاتية و الغيرية ، لكنها لم تجد الزيوع و الاهتمام الكافي على الرغم من انها تمثل اتجاها يستحق المساندة في توثيق تلك السير ، وقد كانت مذكرات السياسي المخضرم استانسلاوس بيساما (كيف اصبح العبد وزيرا) من الكتابات القليلة التي سلطت الضو على حقبة تشكل الوعى السياسي في جنوب السودان ، الى جانب مذكرات الجنرال جوزيف لاقو زعيم حركة تحرير جنوب السودان الصادرة بالعرية و الانجليزية عن مركز محمد عمر بشير للدراسات ، الى جانب كتاب الراحل دانيال كوات ماثيوس الذي سرد فيه تطور الحركة السياسية في جنوب السودان من خلال سيرته وتجربته ، هناك ايضا الكتاب الذي اصدره الجنرال الراحل قلواك دينق قرنق و الذي يحكى عن سيرته الذاتية باللغة العربية .

 كذلك تعتبر المساهمة التي قدمها الدكتور كيوك ابول ، الاستاذ بجامعة جوبا في كتابه عن الرواد الاوائل من جنوب السودان ، واحدة من الاعمال الموسوعية النادرة لسير الاعلام و الشخصيات الجنوبسودان من كافة المجالات ، والذي يعتبر قاموسا مهما في تتبع التاريخ الاجتماعي لجنوب السودان ، كواحدة من المساهمات الرائدة في توثيق سير الاعلم على غرار طبقات ودضيف وموسوعة الانساب و القبائل لعون الشريف قاسم في السودان.

 هذا و اهتمت التجربة الابداعية في جنوب السودان بتقديم نموذجها الخاص في الادب و الرواية و السينما التي لاتزال تتلمس طريقها ، وذلك بالسير في ذات المسار الذي انتهجته ضروب الكتابة التوثيقية الاخرى ، فنجد كتابات تعبان لوليونق ، فرانسيس دينق ، فيكتور لوقالا ، ارثر قبريال ، بوي جون واستيلا قايتانو قد استلهمت موضوعاتها وشخوصها واسئلتها من الوقائع التاريخية ، وتقاطعات العملية السياسية و انعكاساتها من الصراع من اجل المحافظة على الذاكرة و الهوية، وكذلك الحال بالنسبة للكتابات الشعرية الكثيرة ، و الاعمال المسرحية ، والافلام الوثيائقية ، وكذلك الحال بالنسبة للصحافة الورقية و المجلات التي صدرت عن جنوب السودان التي نجد انها كانت واحدة من اهم مصادر التوثيق للحياة الاجتماعية و الثقافية و السياسية في جنوب السودان ، وقد استطاع الاستاذ فيكتور كيري ان يقوم من جانبه بتوثيق تلك التجربة في سفره القيم و الشهير عن تاريخ الاعلام في جنوب السودان الصادر مؤخرا عن دار رفيقي للنشر بعد ان ضاع الارشيف الصحفي الضخم الذي كان يمثل ذاكرة جنوب السودان.

توثيق التاريخ الشفاهي والتراث المادي الجانب الغائب:

 صحيح ان تلك المساهمات الفردية التي قام بها الكتاب و المثقفين من الاكاديميين ، السياسيين و الاعلاميين و الكتاب المبدعين في مجالات الكتابة الابداعية المختلفة (القصة القصيرة ، الرواية ، الشعر، المسرح و الفنون) الجنوبيين ، استطاعت تعريف العالم المحيط بهم وبجنوب السودان في مختلف النواحي التي وثقوا لها ، لكنها تحتاج الى جهود اخرى تقوم بها المؤسسة الرسمية للدولة و المراكز البحثية و العلمية الاخرى ، في الجوانب المرتبطة باهمية توثيق التاريخ الشفاهي واعادة تدوينه مجددا باتباع مناهج البحث العلمي و بمساعدة المؤسسات الدولية المتخصصة مثل اليونسكو وغيرها ، فتوثيق التاريخ الشفاهي و الموروث الثقافي لمختلف مجتمعات جنوب السودان، يساهم بالضرورة في عملية بناء الامة ، التي هي عملية رئيسية ومهمة تؤدي الى بناء الدولة ، فهناك مخزون كبير وهائل من الملاحم البطولية الشفهية ، التي تتحدث عن حركة المقاومة التي خاضها الجنوبيون عبر التاريخ بدءا خلال فترات الحكم التركي و الادارة الانجليزية ، و تجاربهم المدخورة في سجل الاغنيات التي تمثل ارشيف غير مدون لبطولات تحتاج للكتابة وضبط الوقائع وتفادي السيرة الشعبية ، فمن خلال استدعاء الذاكرة التاريخية الموحدة يتم تعريف الحاضر ومن ثم الحديث عن المستقبل او الهم المشترك ، وهذا يتطلب ان تقوم جامعة جوبا كمؤسسة بحثية .وبالضرورة كمركز اشعاع معرفي وبالتنسيق مع وزارة التعليم العالي باقامة مشروع بحثي يهدف لاعادة كتابة تاريخ جنوب السودان من خلال الرواية الشفيهة ، وتقسيمه الى مراحل ومحاور مختلفة ( التاريخ السياسي ، الاجتماعي و الثقافي ) ، على ان يتضمن مثل هذا المشروع التوثيقي المهم ايضا انشاء نواة متحف لجمع وتوثيق التراث المادي، وارشيفا للموسيقى التقليدية لمجتمعات جنوب السودان ، وذلك من اجل توظيفها في الدراسات المتخصصة التي تبحث في قضايا الهوية الموسيقية و القواسم الثقافية المشتركة ، للاستفادة منها في تطوير المقررات المتخصصة في الكليات المعنية .

  هناك ايضا ضرورة ماسة وعاجلة لان تطلق وزارة الثقافة وبالتعاون مع دور النشر في جنوب السودان، مشروعا لتوثيق وكتابة تاريخ المدن في جنوب السودان، ودلالات الاسماء والتراث الشفاهي المرتبط بها. لمواجهة الدعوات التي انتظمت مواقع التواصل الاجتماعي والتي تنادى بتغيير اسماء بعض الاحياء، وهي ان تمت ستكون جريمة كبيرة وممنهجة تهدف للقضاء على الذاكرة الشعبية، التي أطلقت تلك الاسماء التي تنطوي على الالاف القصص والحكايات والاوجاع التي تحتاج ان تروى وتوثق كجزء من التاريخ الاجتماعي الذي مررنا به كشعب في سبيل الحصول على الاستقلال بعد سنوات طويلة من الكفاح المشترك.

   هناك ايضا ضرورة قصوى، لان تقوم مؤسسات التعليم العالي المنتشرة بالبلاد مع وزارة الثقافة باجراء مسح لغوى وثقافي شامل في جنوب السودان، من اجل تحديد العدد الحقيقي للمجموعات الثقافية والاثنية بالبلاد، وتحديد طريقة التصنيف إذا كان عن طريق اللغة ام التقسيم السلالي ام الاثنين معا، ومن ثم الوصول للتقدير الحقيقي لمجتمعات جنوب السودان من اجل انهاء حالة التضارب المستمرة تلك.

*أهمية التوثيق في جنوب السودان:

الى جانب تلك الاهداف العامة التي تتحدث عن اهمية التوثيق في حفظ تاريخ وذاكرة المجتمعات، الا انه وفي حالة جنوب السودان فان هناك بعض الجوانب الاخرى، التي يفيد فيها تدوين الاحداث وكتابة التاريخ وجمع التراث المادي الشفهي والمعنوي والتي تتمثل في الاتي:

*ان تدوين وتوثيق التاريخ السياسي والاجتماعي، وتحويله من موروث شفاهي متناقل ومتداول الى تراث مكتوب، سيساهم في تعريف المجتمعات المختلفة ببعضها البعض، وسيظهر كذلك بشكل عميق اوجه التلاقي والسمات الثقافية والحضارية المشتركة، المتضمنة في الملاحم والبطولات والاساطير وانماط العيش والحياة اليومية، ويمكن ان يتم توظيفه بصورة ايجابية لخلق وعي قومي حقيقي متجاوز لحدود المجموعة الواحدة.

*سيساهم تدوين وتوثيق جميع الممارسات الثقافية والاجتماعية في العادات والتقاليد وانماط الحياة. في تخفيف حدة النزاع البين مجتمعي، ويمكنه ان يسلط الضوء على الامكانيات الثقافية المتوافرة التي يمكنها ان تنتج حالة من التبادل البناء ابين (الشعوب الجنوب سودانية) كل تجاه الاخر دون الشعور باي شكل من اشكال التمايز او التفاوت.

*ان تدوين وتوثيق المعارف الثقافية لمجتمعات جنوب السودان وتحويلها لمادة مكتوبة، سيوفر مخزونا هائلا من التراث والحكايات ذات المضامين التربوية التي يمكن ان يتم استخدامها في المناهج الدراسية في مختلف المدارس من خلال تصميم منهج دراسي قومي يعبر عن تنوع جنوب السودان وتعدد مجتمعاته في شتى النواحي، وهذا يعتبر المدخل السليم للتصالح مع الثقافة الشعبية التي ينظر اليها بعض المتعلمين نظرة مختلفة

————————————————-

 

*الهوامش:

(1) الموسوعة الحرة، ويكيبيديا، توثيق. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82

(2) الموسعة الحرة ، لغة ، https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%84%D8%BA%D8%A9

(3) يمان الدالاتي ، نمط الحياة وتأثيره على التدوين مجلة نون بوست ،مارس 2013.

(4) موقع ويرد برس، التوثيق مفهومه ولمحة عامة عنه، مارس 2015.

(5) أتيم سايمون، أهمية الحفاظ على الأسماء التاريخية بمدينة جوبا، موقع الترا سودان، يوليو 2020.

(6) اتيم سايمون، فندق جوبا.. مخبأ الحاكم الإنجليزي للسودان “أثرًا بعد عين”، موقع الترا سودان، مايو 2020.

 

 

 

 

 

 

 

 

Translate »