تمديد الفترة الانتقالية: مؤامرة سياسية أم فشل مستمر؟

واجومانيوز

بقلم:محمود اكوت

في خطوة لم تفاجئ أحدًا سوى أولئك الذين ما زالوا يمنحون الثقة لطبقة سياسية أثبتت مرارًا وتكرارًا أنها عاجزة عن قيادة البلاد نحو بر الأمان، أعلنت الحكومة بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM) تمديد الفترة الانتقالية لعامين إضافيين، حتى فبراير 2027. هذه الخطوة، رغم تبريرها بالحديث عن “الإصلاحات غير المكتملة”، ليست سوى دليل قاطع على أن المشروع السياسي الحالي في جنوب السودان قد أفلس أخلاقيًا وسياسيًا، ولم يعد يمثل طموحات الشعب، بل يخدم مصالح نخبة مترسخة في السلطة.

الحركة الشعبية: من حركة تحرر إلى مؤسسة قمع

الحركة الشعبية التي قادت نضالاً مشروعًا ضد الظلم لعقود، تحولت اليوم إلى كيان يعادي جوهر المبادئ التي تأسست عليها. فقد أصبحت آلة سياسية تكرس حكم العائلة والقبيلة، وتحمي شبكات المصالح، وتماطل في تنفيذ بنود اتفاقية السلام وكأن الزمن ملك خاص لها.

لقد كان من المفترض أن تكون هذه الفترة الانتقالية منصة للإصلاح السياسي والأمني والاقتصادي، لكن بدلاً من ذلك، تحولت إلى مسرحية هزلية، حيث تكررت نفس المبررات الفارغة: “التمويل غير كافٍ”، “الوضع الأمني غير مستقر”، “البلاد غير مستعدة للانتخابات”—بينما في الواقع، كل ما ينقص هو الإرادة السياسية، وليس الموارد أو الوقت.

والأمر الأكثر إزعاجًا أن الحركة الشعبية لم تفشل فقط في تنفيذ الإصلاحات، بل عملت بشكل منهجي على تعطيلها، لأنها تدرك أن إجراء انتخابات حرة يعني انتهاء احتكارها للسلطة. فما أسهل أن تحكم عندما تؤجل صناديق الاقتراع إلى أجل غير مسمى، وما أصعب أن تواجه الشعب عندما يقرر مصيره بيده

.

المعارضة: شريك في الجريمة السياسية

أما المعارضة، وعلى رأسها الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة (SPLM-IO)، فقد أثبتت أنها ليست سوى ظل باهت للحركة الحاكمة. بدلاً من أن تكون صوتًا للناس، أصبحت جزءًا من اللعبة، تتفاوض على المناصب والامتيازات بينما تتجاهل جوهر الصراع: حق الشعب في حكم نفسه.

لقد أظهرت السنوات الماضية أن المعارضة ليست معنية بتحقيق الإصلاحات، بقدر ما تهتم بحصتها في الكعكة السياسية. وإلا، كيف نفسر صمتها المطبق أمام الفساد المستشري، وفشل الحكومة في تنفيذ الترتيبات الأمنية، وتجاهل الدستور الدائم؟ إنها معارضة ترفع شعارات التغيير في العلن، لكنها في الكواليس تتساوم على بقائها ضمن منظومة الفشل.

السلام المزعوم: اتفاقية بلا روح

اتفاقية السلام المنشطة، التي كانت ذات يوم بارقة أمل، أصبحت الآن مجرد وثيقة تُستخدم كستار لتمديد السلطة، وليس كخريطة طريق نحو الديمقراطية. الترتيبات الأمنية مجمدة، القوات الموحدة لم تكتمل، والعملية الدستورية تعثرت في أدراج المكاتب، بينما تستمر النخبة السياسية في تبادل الاتهامات والتهرب من المسؤولية.

والسؤال هنا: إذا لم تُنفذ هذه الإصلاحات خلال أربع سنوات، فلماذا يعتقد أحد أن عامين إضافيين سيحدثان فرقًا؟ الجواب بسيط: لن يحدث شيء، لأن من يمسك بزمام السلطة لا يريد حدوث أي تغيير. فالاستقرار الحالي يخدم مصالحهم، والتمديد يمنحهم مزيدًا من الوقت لتعزيز قبضتهم على الدولة.

الشعب: الضحية الحقيقية والمفتاح المنسي

وسط هذه المهزلة السياسية، يبقى الشعب هو الضحية الحقيقية. المواطن العادي، الذي يعاني من الفقر، البطالة، وانعدام الخدمات الأساسية، لم يعد يرى في الحكومة والمعارضة سوى وجهين لعملة واحدة. لقد تحول الخطاب السياسي من وعود بتحقيق السلام والازدهار إلى تبرير دائم للفشل، بينما تستمر النخب في التمتع بالامتيازات على حساب معاناة الشعب.

لكن الشعب أيضًا هو المفتاح المنسي في هذه المعادلة. ما لم يدرك المواطنون أن مصير البلاد لا يمكن أن يبقى رهينة لمجموعة من السياسيين الفاشلين، فإن دوامة التمديد والمماطلة ستستمر إلى ما لا نهاية. حان الوقت لتوجيه رسالة واضحة: كفى وعودًا فارغة، كفى استهتارًا بمستقبل البلاد، وكفى عبثًا بمصير الأجيال القادمة.

الخلاصة: بين استمرار الفشل أو انتفاضة الوعي الشعبي

إن تمديد الفترة الانتقالية ليس مجرد إجراء إداري، بل هو مؤشر صارخ على أن الطبقة السياسية بأكملها—حكومة ومعارضة—قد اختارت طريق السلطة على حساب الديمقراطية. والرهان الآن لم يعد على الأطراف السياسية، بل على وعي الشعب وقدرته على المطالبة بحقوقه ورفض أن يكون رهينة لمسرحيات سياسية عقيمة.

إذا استمر الصمت الشعبي، فإن عام 2027 سيأتي مع تمديد جديد، وربما لعقد آخر. لكن إذا قرر الشعب أن يقول “لا” بوضوح، فإن عجلة التغيير الحقيقي قد تبدأ أخيرًا في التحرك. فالسلطة، مهما طال أمدها، لا تدوم أمام إرادة الشعوب.

محمود اكوت

ناشط سياسي جنوب سوداني مدافع عن الديمقراطية 

باريس، فرنسا 

Translate »