
جنوب السودان على صفيح ساخن: تصاعد المواجهات بين الجيش الحكومي والجيش الأبيض وموقف قوات ريك مشار
واجومانيوز
تقرير/ بقلم: شول لام دينق
تراجع شعبية رياك مشار وسط أنصاره
منذ التوقيع على اتفاقية الخرطوم المنشطة لاتفاق سلام جنوب السودان وعودة الدكتور ريك مشار إلى جوبا، شهدت شعبيته تراجعًا حادًا، خاصة داخل قاعدة دعمه التقليدية في قبيلة النوير. ويعود ذلك إلى التوزيع غير العادل للمناصب في الحكومة الانتقالية، حيث استأثرت أسرة الدكتور مشار بنصيب الأسد من الوزارات السيادية. فقد شغلت زوجته، أنجلينا توماس كوما، المعروفة بـ”أنجلينا تينج”، منصب وزيرة الدفاع، ثم وزارة الداخلية بعد إقالتها من الدفاع، فيما تولى شقيقها، حال توماس كوما، منصب مفتش وزارة الداخلية. بينما ظل ريك مشار نائبًا للرئيس. كما حصل عدد من المقربين من العائلة، مثل وزير البترول فوت قانق، على مناصب رفيعة، في حين تم إقصاء شخصيات بارزة من المعارضة المسلحة، مثل داك دوب بشوك والجنرال قارويج دوال، اللذين كانا من القيادات المؤثرة في الحركة الشعبية المعارضة أثناء الحرب.
هذا التوزيع غير العادل للمناصب أثار استياءً واسعًا بين أبناء النوير، الذين اعتبروا أن مشار استغل نفوذه لترسيخ حكم عائلته، متجاهلًا قيادات المعارضة التي قاتلت إلى جانبه لسنوات.
التوتر العسكري: الجيش الأبيض في مواجهة الجيش الحكومي
ترى حكومة جوبا أن مناطق النوير، التي لطالما كانت حاضنة للثورات والتمردات منذ نشوء الحركة الشعبية، يجب السيطرة عليها بالقوة لمنع أي تمرد مستقبلي. وقد بدأ ذلك بالفعل في منطقة الناصر التاريخية، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش الحكومي ومسلحين محليين يُعرفون بـ”الجيش الأبيض”. ووفقًا للمعطيات الميدانية، فإن المواجهات قد تمتد إلى ولايتي جونقلي والوحدة، مما قد يؤدي إلى حرب واسعة النطاق غير متكافئة بين الطرفين.
المثير للجدل هو أن قوات ريك مشار لم تتدخل في هذه المواجهات، بل اختارت موقف الحياد للحفاظ على وجودها في السلطة بجوبا، وهو ما زاد من غضب أبناء النوير الذين يشعرون بأنهم تُركوا وحدهم في مواجهة الجيش الحكومي.
الإحراج الحكومي وتصاعد الضغوط الدولية
تجد الحكومة في جوبا نفسها في موقف حرج، إذ تخوض معارك ضد المدنيين المسلحين في المناطق النويرية، وتتعرض لخسائر غير متوقعة، مما دفعها إلى محاولة الزج بجيش ريك مشار في الصراع. فقد صرّح الناطق الرسمي باسم الجيش الحكومي، أمس، بأن قوات مشار هي من بدأت الاعتداءات، رغم أن مشار نفسه ينأى بجنوده عن القتال. في المقابل، هناك تقارير محلية تفيد بأن قوات مشار تنفذ اعتقالات تعسفية بحق عناصر الجيش الأبيض، في محاولة لمنعهم من الاشتباك مع الجيش الحكومي، الذي يستفز الشباب المسلحين في المنطقة.
السيناريو المتوقع: هل يتكرر سيناريو 2016؟
تشير التطورات الميدانية إلى تصعيد وشيك. فقد تحركت، أمس، قافلة نهرية عسكرية محملة بالأسلحة والجنود من مدينة ملكال باتجاه الناصر، حيث يُتوقع أن تواجه مقاومة شرسة من الجيش الأبيض. ومن المرجح أن تؤدي المواجهات الدامية إلى إدانة دولية للحكومة بسبب استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين.
ومن السيناريوهات المحتملة، أن تحاول حكومة جوبا استفزاز ريك مشار عسكريًا لدفعه إلى القتال، في تكرار لما حدث في عام 2016، حين انفجر الصراع بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة في العاصمة جوبا.
توسّع رقعة الحرب وتحالفات جديدة
التطور الأخطر في المشهد هو دخول قوات “أقوليك”، بقيادة الجنرال جونسون أولونج، على خط المواجهات. هذه القوات، التي تنتمي إلى قبيلة الشلك، متحالفة مع الحكومة، وقد تحركت بالفعل من ملكال نحو الناصر. وهذا التطور قد يغير ديناميكية الصراع ليصبح مواجهة ثلاثية بين قبائل الشلك والدينكا من جهة، وقبيلة النوير من جهة أخرى، وهو ما يعيد إلى الأذهان سيناريو الحرب الأهلية في 2013.
وفي ظل هذه المعطيات، يبقى الوضع في جنوب السودان مفتوحًا على احتمالات خطيرة، مع تزايد المخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة قد تمتد لسنوات، في ظل استمرار الانقسامات السياسية والعسكرية، وتفاقم التوترات العرقية في البلاد.
تم