أزمة الدبلوماسية بين السودان وجنوب السودان: هل خطاب خارج السياق أم محاولة لتدويل القضية؟

,واجومانيوز

بقلم:صمؤيل فيتر اوياي

شهدت العلاقات بين السودان وجنوب السودان توتراً ملحوظاً عقب تصريحات وزير خارجية جنوب السودان رمضان عبد الله، الذي اتهم الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه بارتكاب أعمال “إرهابية” ضد مواطني جنوب السودان في ولاية الجزيرة. جاءت هذه التصريحات خلال اجتماع رفيع المستوى لمجلس الأمن حول مكافحة الإرهاب في إفريقيا، الذي نظمته الجزائر بصفتها رئيسة المجلس لشهر يناير 2025. الاجتماع ركز على تعزيز القيادة الإفريقية في مكافحة الإرهاب ومناقشة التحديات الأمنية التي تواجه القارة. ومع ذلك، خرجت تصريحات وزير الخارجية الجنوب سوداني عن الإطار المحدد لتثير قضية ثنائية تتعلق بمقتل مواطني جنوب السودان، ما أثار جدلاً دبلوماسياً واسعاً.

 

التصريحات التي أطلقها وزير خارجية جنوب السودان تثير العديد من التساؤلات حول توقيتها ودوافعها، خاصة في ظل وجود توافق مسبق بين السودان وجنوب السودان على التحقيق في القضية. فقد شكّلت الحكومة السودانية لجنة وطنية للتحقيق في ملابسات الحادثة بعد تحرير مدينة ود مدني، وكان من المتوقع أن تُحل القضية من خلال القنوات الثنائية دون الحاجة إلى تدويلها في منصة مخصصة لمناقشة قضايا الإرهاب على مستوى القارة. وفقا للبروتوكول الأممي، الاجتماعات المتخصصة تفرض على الدول المشاركة التركيز على جدول الأعمال المحدد وعدم إثارة قضايا خارج نطاق النقاش. بالتالي، تُعتبر تصريحات الوزير خرقًا لهذه الأعراف، مما قد يُضعف موقف جنوب السودان دبلوماسياً.

 

من الناحية السياسية، قد تُفسر تصريحات وزير خارجية جنوب السودان على أنها وسيلة للضغط على السودان وضمان التزامه بنزاهة التحقيق. ومع ذلك، لا يمكن إغفال تأثير النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يلعبون دوراً متزايداً في التأثير على الخطاب السياسي. في هذه الحالة، يمكن أن تكون تصريحات الوزير مدفوعة بضغوط النشطاء الذين طالبوا بموقف حازم من الحكومة تجاه الانتهاكات المزعومة. غالباً ما يعبر النشطاء عن غضب شعبي واسع النطاق ويدفعون المسؤولين إلى اتخاذ مواقف تصعيدية لإظهار القوة والالتزام تجاه القضايا الوطنية، حتى وإن كان ذلك على حساب القواعد الدبلوماسية الراسخة.

 

وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت منصة رئيسية للنشطاء للتعبير عن آرائهم والدعوة إلى التحرك السريع، ولكنها قد تؤدي أيضاً إلى قرارات متسرعة وغير مدروسة من قبل المسؤولين، خاصة عندما يكون الضغط الشعبي مرتفعاً. في هذه الحالة، يبدو أن وزير الخارجية قد تأثر بهذه الضغوط واتخذ قراراً بالتصعيد على منصة دولية، ربما دون الإلمام الكامل بقواعد اللعبة الدبلوماسية في الأمم المتحدة. الخطأ هنا يكمن في تجاهل حقيقة أن مثل هذه التصريحات يمكن أن تُعتبر خروجاً عن سياق الاجتماع وتُضعف موقف جنوب السودان أمام المجتمع الدولي.

 

التصريحات قد تُفسر أيضاً كرغبة من جوبا في تدويل القضية لجذب اهتمام الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، ولكن هذا المسار يحمل في طياته مخاطر كبيرة. تدويل القضايا الثنائية قد يُفسر على أنه تعبير عن عدم ثقة بجديّة التحقيق الوطني، كما أنه قد يفتح الباب لتدخلات دولية تزيد من تعقيد المشهد السياسي. إضافة إلى ذلك، قد يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لإعادة توجيه الأنظار عن قضايا داخلية في جنوب السودان نحو قضايا خارجية.

 

التصعيد في هذا السياق قد يؤدي إلى نتائج عكسية. فمن جهة، قد تتضرر العلاقات الثنائية بين البلدين، ما يُعرقل جهود التعاون المشترك، خاصة أن القضية ما زالت في مرحلة التحقيق الوطني. ومن جهة أخرى، فإن استغلال منصة دولية لإثارة قضية خارج إطار جدول الأعمال قد يُعتبر تشتيتاً للجهود الدولية التي ركزت على مكافحة الإرهاب، وهو الهدف الأساسي للاجتماع.

 

للخروج من هذا المأزق، يجب على حكومة جنوب السودان اتخاذ خطوات تصحيحية لتخفيف التوتر. يمكن إصدار بيان توضيحي يؤكد احترامها للتوافق مع السودان بشأن التحقيق الوطني، مع الإشارة إلى أن التصريحات كانت تهدف إلى تعزيز العدالة وليس التصعيد. كما يمكن للحكومة استئناف الحوار المباشر مع السودان لضمان معالجة القضية بفعالية ضمن الإطار الثنائي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إشراك مراقبين من الاتحاد الإفريقي أو أطراف محايدة لضمان نزاهة التحقيق دون الحاجة إلى تصعيد القضية دولياً.

 

من الضروري أيضاً أن تدرك حكومة جنوب السودان أهمية تدريب دبلوماسييها على التعامل مع القضايا الدولية وفقاً للبروتوكولات الأممية. مثل هذه الأخطاء يمكن تجنبها من خلال الالتزام بالإطار المحدد للاجتماعات وتجنب الانجرار وراء ضغوط النشطاء أو الخطاب الشعبوي.

 

تصريحات وزير خارجية جنوب السودان، رغم أنها قد تكون مدفوعة بأهداف سياسية أو ضغوط نشطاء، تُبرز أهمية الاتزان الدبلوماسي واحترام الأعراف الدولية. التعامل بحكمة مع القضايا الحساسة وضمان حلها عبر القنوات المناسبة هو السبيل لتحقيق الأهداف دون الإضرار بالعلاقات الثنائية أو الإقليمية.

 

صمويل بيتر اوياي

Translate »