الحركة الشعبية جناح مشار والانحدار نحو الذات (٢-٢)
واجوما نيوز
بقلم: شوكير ياد
واجوما نيوز
الحركة الشعبية جناح مشار والانحدار نحو الذات (2) الأخير
وقد زادت حدة الانتقادات الموجهة لمشار عقب إعلان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بموجب الاتفاق المُنشط، خاصة من قبل القيادات العسكرية والسياسية التي ينحدر منها مشار. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أطلت أزمة ولاية أعالي النيل برأسها ، بعد تحفظ الرئيس كير حول شخص المرشح الذي دفع به مشار، والذي يتمثل في شخص الجنرال جونسون الونج. حيث فشل مشار في الدفع به حاكما لأعالي النيل، والرضوخ لرغبة الرئيس في تغيير الجنرال اولونج والدفع بشخص آخر.
ومن هنا كانت كل الظروف تشير الى حتمية فقدان مشار للسواد الأعظم من قياداته السياسية والعسكرية ومناصريه، في ظل إنفراده بالقرار السياسي في معظم المسائل التي تخص التنظيم، بالإضافة الى الإخفاق في إظهار الندية ومجاراة الرئيس كير، والذي يميل الى التنفيذ الاحادي لبنود الاتفاق، وإستغلال الظروف لصالحه.
أثر التقديرات السياسية على منظومة الحركة الشعبية في المعارضة
يلاحظ ان الإتفاق المنشط، واجه نفس ملابسات و ظروف تنفيذ اتفاق حل النزاع2015 ، والتي قادت في نهاياتها لأحداث القصر الرئاسي الكارثية والتي على إثرها اندلعت حرب الاربعة أيام في يوليو 2016. فعلى سبيل التوضيح، نفس بند الترتيبات الأمنية والذي فشلت الأطراف في تنفيذه في 2016، لم تنجح حكومة الوحدة الوطنية الحالية في تجاوزه حتى هذه اللحظة في ظل الإتفاق المنشط. زد الى ذلك ظروف إستمرار عوامل عدم إنسجام شركاء حكومة الوحدة الوطنية، والتي تؤثر بشكل مباشر على أداء الحكومة في تنفيذ إستحقاقات السلام ، والتي باتت في طي النسيان. بيد ان التساؤل الأكبر، والذي بات يشغل الكثير من المتابعين للشأن السياسي الجنوبي، يتمثل في الصمت المريب لرئيس الحركة الشعبية في المعارضة (مشار) والذي يعتبر الشريك الرئيس في حكومة الوحدة الوطنية. الأمر الذي يُثير الشكوك حول وضعيته التنفيذية في حكومة الوحدة الوطنية، ما إذا كان يتمتع بممارسة كامل صلاحياته التنفيذية، ام تم التقويض عليها من قبل الشريك الرئيس في الاتفاقية . وقد فتح هذا الأمر المجال للتكهنات بشأن وضعيته في الحكومة. حيث ظهرت بعض التحليلات التي تُشير الى ان مشار يمارس بعض الصلاحيات المحدودة في ظل حكومة الوحدة الوطنية الحالية، وقد ذهب البعض الى الحديث عن، مسألة تحديد إقامته من قبل الرئيس كير في العاصمة جوبا، بدليل تواجده الدائم بالعاصمة جوبا، وعدم مغادرته لها لأي جهة ، خارجية كانت ام داخلية. ولكن ما يهمنا في الأمر، حقيقة السياسات والقرارات التي يُعتقد بأنها السبب المباشر في إنهيار منظومته التي تكونت بفعل ظروف أحداث ديسمبر2013.
فإذا ما رجعنا الى ماقبل إتفاقية 2015، نجد ان الكثير من القيادات العسكرية القوية الموالية لمشار، إنشقت عن الحركة الشعبية جناح مشار؛ وذلك لإختلاف في وجهات النظر. حيث لم يبادر مشار برأب الصدع والتصالح مع تلك القيادات المنشقة والتي كونت حركات مستقلة عن مشار، وإنضم البعض الى حركات مسلحة كانت موجودة. فقد خرج الجنرال الراحل فيتر قديت وكون تحالف مع مجموعات سياسية اخرى أمثال الوزير الحالي قبريال شنقسون . بينما انضم الجنرال الراحل أيضا قبريال تانق الى الحركة الوطنية الديمقراطية بقيادة الدكتور لام أكول. وقد مثلت تلك الإنشقاقات بداية التشرذم في منظومة الحركة الشعبية في المعارضة المسلحة تحت قيادة مشار. وقد تكرر ذات الأمر أثناء تنفيذ اتفاقية حل النزاع 2015. حينما قام مشار بإقصاء الجنرال تعبان دينق من حقيبة البترول بعد أن كان مرشحا لشغلها ؛ وذلك لأسباب غير واضحة. وهو الأمر الذي أثار حفيظة الجنرال الغاضب ، ومن ثم قام بالإنقلاب عليه والتحالف مع الحكومة. فقد كان الجنرال تعبان والكثير من قيادات الصف الأول في المعارضة المسلحة، كانوا ساخطون على الطريقة التي يدير بها مشار الحركة. حيث كانت النوايا حاضرة للانقلاب على مشار، وقد وجدوا ضالتهم عقب أحداث القصر الرئاسي المعروفة داخليا بأحداث (جي ون). حيث انشق الكثير من القيادات عن مشار وكونوا تحالف جديد مع الجنرال تعبان دينق . ونذكر في السياق التالي القيادات التي إنشقت عن مشار، وهم ،الفريق لادو قوري والذي كان يشغل نائب رئيس الحركة تحت قيادة مشار، السفير إيزيكيل لول، د/ ضيو مطوك، أمين عام الحركة الشعبية في المعارضة، وغيرهم من القيادات النافذة . وهكذا كادت ان تنتهي مسيرة مشار السياسية في ظل توافق الحكومة والإقليم والمجتمع الدولي على شخص الجنرال تعبان دينق، والذي حُظي بتمثيل رئيس البلاد في الجمعية العامة للامم المتحدة في دورته الـ 71 كنوع من التسويق وإعطاء الشرعية له . بيد ان الظروف والأوضاع السياسية المتدهورة في جنوب السودان، خدمت على د/ مشار، واعادته الى واجهة الاحداث السياسية من جديد من خلال الاتفاقية المنشطة في 2018.
بيد أن مشار لم يستصحب معه ، تجارب وأخطاء الماضي، التي أفقدته الكثيرمن هيبته وحضوره السياسي ، وإستخدامها لتجاوز مشكلات الحاضر. حيث وقع في ذات الأخطاء الجسيمة، من إقصاء لقياداته النافذين، على المستويين السياسي والعسكري. فعلى سبيل التوضيح، قام مشار بإقصاء السياسي، داك دوب بشوك والذي إنضم الى الحكومة جناح كير في وقت لاحق، ثم الجنرال كوانق شول، والجنرال أوشان الذي تم إستقطابه بواسطة السياسي إيزيكيل لول. ثم أخيرا إنشقاق قياداته العسكرية والميدانية والتي كونت تحالف عسكري جديد تحت مسمى "كيت كوانق" تحت قيادة رئيس أركانه السابق قارويش دول؛ وذلك كنتاج طبيعي ،وتعبيرا عن الإمتعاض عن تلك السياسات الأحادية للدكتور مشار.
يتضح هنا من السياق أعلاه، غياب الديمقراطية الداخلية في الحركة جناح مشار، بدليل عدم التوافق على معظم القرارات والقضايا المصيرية التي كانت تمس وحدة الحركة الشعبية في المعارضة. حيث يمثل نموذج الرجل الواحد ، الذي ينفرد بكل قرارات الحركة ؛ وذلك بالإعتماد على بعض الدوائر المُقربة منه.
وقد خلقت هذه الأحادية، تلك الإختلالات السالبة والتي إنعكست على منظومة الحركة الشعبية في المعارضة بشكلها الراهن . والتي إنشطرت بطبيعة الحال الى العديد من الحركات الأخرى تحت ذات المسمى، والتي نذكرها في السياق التالي :
الحركة الشعبية في المعارضة جناح السلام، تحت قيادة الجنرال تعبان دينق المتحالف مع الحكومة، الحركة الشعبية جناح مشار والذي يمثل الشريك الرئيس في حكومة الوحدة الوطنية بموجب الإتفاق المنشط، الحركة الشعبية في المعارضة جناح دويرتوت، ثم الحركة الشعبية في المعارضة المسلحة جناح كيت قوانق تحت قيادة الجنرالان قارويج دول/ جونسون اولونج.
وقد نتساءل في هذا السياق الهام، أين يقع مكمن الخلل في منظومة الحركة الشعبية في المعارضة ؟! ، هل في تلك القيادات المنشقة، ام يكمن الخلل في رئيس ومؤسس الحركة مشار نفسه؟!
والاجابة على هذا التساؤل، قد تقود الى جدل عقيم، خاصة في اوساط المُريدين والمؤيدين، لسياسات مشار. ولكن من خلال السياقات السابقة، نجد ان التقديرات والقراءات غير السليمة للاحداث السياسية، وغياب الديمقراطية الداخلية، والإنكفاء نحو الذات، تمثل الأسباب الرئيسية التي قادت الى انهيار منظومة الحركة الشعبية في المعارضة وتشرذمها، ومن ثم إنكفاء، رئيسها نحو الذات بدليل عدم إكتراثه لتلك الإنشقاقات في صفوف معسكره.
مستقبل مشار السياسي
للحديث عن مستقبل مشار السياسي، لا بد للتطرق عن مستقبل منظومة الحركة الشعبية في المعارضة المسلحة نفسها، بأجنحتها المختلفة، بدءا من الحركة الشعبية في المعارضة جناح الجنرال تعبان دينق، إنتهاءا بالحركة الشعبية مجموعة كيت قوانق. فإذا ما تتبعنا مسيرة جميع المجموعات المنشقة في الحركة الشعبية في المعارضة ،نجد انها تنتهي ، بالإرتماء في أحضان الحكومة كأقصى غاية لها. ونتذكر هنا كيف تماهت الحركة الشعبية جناح الجنرال تعبان في الحكومة جناح الرئيس كير، وقد يتكرر الأمر في المستقبل المنظور مع مجموعة مشار، في ظل حالة العُزلة التي يعيشها. اما الفصيل المنشق حديثا تحت قيادة الجنرال قارويج دول. فلا اعتقد بأنه سيجد البيئة الملائمة لإحداث أثر إيجابي في خارطة السياسة الجنوبسودانية، وتغيير الأوضاع السياسية الراهنة. وغالبا ما سينتهي بها الحال، كما إنتهى عليه السابقون؛ في الحصول على مكاسب سياسية ليس الا .
أما مستقبل مشار السياسي في ظل الإنشقاقات و التحولات السياسية الراهنة، فيبدو بأن المستقبل مجهولا، إذا ما إستشرقنا المستقبل على ضوء المعطيات الماثلة.
فالإخفاقات التي لازمت مشار طوال مسيرته السياسية، أفقدته الكثير من شعبيته في الخارطة السياسية في جنوب السودان. فإخفاقه في السيطرة على زمام الأمور في منظومة الحركة الشعبية في المعارضة المسلحة ، حول الصراع السياسي بينه وغريمه كير الى مباراة صفرية، حيث الرابح الوحيد فيها الرئيس كير ، الذي نجح في توظيف تنقاضات الحركة الشعبية في المعارضة لصالحه.